سبب وفاة محسن بوهلال الحقيقي.. الجوهرة السوداء تودّع الملاعب إلى الأبد
في صباح حزين لن تنساه الكرة المغربية، غيّب الموت أحد أعمدة الدفاع التاريخيين، اللاعب السابق محسن بوهلال، الذي فارق الحياة يوم السبت 5 أبريل 2025، بعد صراع مؤلم مع المرض. برحيله، طويت صفحة من صفحات الإبداع والالتزام الرياضي، لشخصية جسدت معنى الانضباط والولاء طوال مسيرته داخل المستطيل الأخضر وخارجه.
لكن خلف هذا النبأ المؤلم، تختبئ قصة إنسانية رياضية تستحق أن تُروى، عن لاعب عشقه الجمهور واحترمه الخصوم، عن “الجوهرة السوداء” كما كان يُلقب، الذي خاض مباريات حاسمة في أكبر المحافل، ثم واجه بصمت معركة لا تقل شراسة، ضد مرض لم يُعلن عن طبيعته في البداية، إلى أن حسمت الأيام مصيره.
من هو محسن بوهلال ويكيبيديا؟ مسيرة رياضية مُشرفة
وُلد محسن بوهلال يوم 22 أبريل 1970 بمدينة الرباط، العاصمة التي ستشهد لاحقًا أبرز محطات تألقه ووداعه. تدرّج في الفئات السنية لنادي الجيش الملكي، ولم يكن يحتاج إلى وقت طويل ليخطف الأنظار، بفضل براعته في التمركز وصلابته الدفاعية، بالإضافة إلى سلوكه الاحترافي النادر.
محطات مشرقة مع الجيش الملكي
مع بداية تسعينيات القرن الماضي، أصبح اسم بوهلال جزءًا لا يتجزأ من كتيبة الجيش الملكي التي سيطرت على الملاعب الوطنية. برز كقائد دفاعي يضرب به المثل، وساهم في تتويج الفريق بلقب الدوري المغربي وكأس العرش، وكان حاضرًا في أغلب المواجهات القارية الكبرى، خلال الحقبة الذهبية للفريق العسكري.
مع المنتخب الوطني.. شرف تمثيل الوطن
لم يكن تألق بوهلال محليًا فقط، بل حمل قميص المنتخب المغربي في العديد من الاستحقاقات الدولية. شارك في تصفيات كأس العالم 1994، وفي الألعاب الأولمبية التي أقيمت بمدينة برشلونة، إضافة إلى كأس إفريقيا للأمم، وساهم بحضوره القوي في صلابة الخط الخلفي للمنتخب.
بلغ عدد مبارياته الدولية 38 مباراة، وهو رقم يعكس مدى ثقة الطاقم الفني في أدائه، في زمن كانت فيه المنافسة على أشدها بين لاعبي خط الدفاع.
ما هو مرض محسن بوهلال؟: سبب وفاة محسن بوهلال
رغم حرص أسرة بوهلال وأصدقائه على الحفاظ على خصوصيته الصحية، إلا أن ما عُرف عنه أنه عانى في السنوات الأخيرة من مرض خبيث لم يُكشف عن طبيعته بدقة. وتشير المؤشرات إلى أنه مرض عضال تطلب علاجات طويلة وإقامة مستمرة في المستشفى العسكري بالرباط.
ومع أن محاولات العلاج استمرت لفترة، بما في ذلك خضوعه لعملية جراحية، فإن جسده لم يصمد أمام تفشي المرض، ليفارق الحياة عن عمر ناهز 54 عامًا، بعد رحلة طويلة من الصبر والكفاح.
الحزن يعم الملاعب.. جماهير تودع أحد أخلص المدافعين
فور الإعلان عن نبأ وفاته، عمّ الحزن في الأوساط الكروية المغربية. الجماهير، وخاصة أنصار الجيش الملكي، عبّروا عن حزنهم العميق، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات الوداع والدعاء، وتناقلت صور الراحل وهو يحمل قميص المنتخب وناديه، في أيام مجده.
كما نعته رابطة “أولتراس عسكري الرباط” برسالة مؤثرة قالت فيها: “وداعًا يا من دافعت عن القميص بكل شرف، ستظل خالداً في الذاكرة، ولن تُنسى ما دامت كرة القدم تُلعب في هذا الوطن”.
جنازة مهيبة تليق بتاريخه
أقيمت صلاة الجنازة على الفقيد عصر يوم السبت، في مسجد الشهداء بالرباط، قبل أن يُوارى جثمانه الثرى بمقبرة الشهداء، وسط حضور كبير من لاعبين قدامى، مدربين، مسؤولين رياضيين، وجماهير غفيرة، ممن حرصوا على إلقاء النظرة الأخيرة على رجل أفنى عمره في خدمة كرة القدم الوطنية.
الإرث الذي تركه بوهلال.. دروس تتعدى حدود الرياضة
محسن بوهلال لم يكن مجرد لاعب، بل كان قدوة حقيقية في أخلاقياته داخل الملعب وخارجه. فحتى بعد اعتزاله اللعب، واصل العطاء من بوابة التدريب، حيث عمل في الجهاز الفني لفريق الجيش الملكي، وساهم في صقل جيل جديد من المدافعين، ناقلاً خبراته بحب وتواضع.
لقد مثّل بوهلال جيلاً من اللاعبين الذين لم يكونوا يبحثون عن الأضواء، بل عن أداء الواجب بشرف، ما جعله يحظى باحترام الجميع، من زملائه وخصومه، مرورًا بالجمهور الرياضي.
هل كانت الكرة المغربية منصفة له بعد الاعتزال؟
برغم الإنجازات التي حققها، لم ينل بوهلال الكثير من الأضواء الإعلامية بعد اعتزاله، شأنه شأن عدد كبير من اللاعبين الذين ساهموا في رفع راية الكرة المغربية خلال التسعينات. ومع ذلك، ظل صامتًا، متمسكًا بمبادئه، يعمل في الظل، حتى عندما ألمّ به المرض.
ربما تكون وفاته فرصة لإعادة تسليط الضوء على هذه الأسماء التي صنعت المجد بصمت، وتستحق التكريم الحي والميت.
مشاعر من زملائه.. شهادات لا تُنسى
في لحظة وداعه، عبّر عدد من اللاعبين السابقين عن حزنهم العميق. أحد زملائه قال:
“كان مقاتلًا على أرضية الميدان، وصديقًا نقيًا خارجه. حين كان يتحدث، ينصت الجميع باحترام، لأنه كان رجلًا بأخلاق نادرة”.
مدرب سابق للمنتخب أضاف:
“محسن من اللاعبين القلائل الذين يُعتمد عليهم في جميع الظروف. كان جنديًا مخلصًا داخل الملعب. ورحيله مؤلم للجميع”.
إرث رياضي يُلهم الأجيال القادمة
ما يجعل من سيرة بوهلال حالة تستحق التوقف، ليس فقط مهاراته الدفاعية، بل النموذج الذي جسّده لشخصية الرياضي الحقيقي:
- الإخلاص للنادي والمنتخب
- التواضع داخل غرف الملابس
- القتال في كل دقيقة لعب
- الصبر في مواجهة المرض دون ضجيج
هذا هو الإرث الحقيقي الذي يتركه الراحل، والذي يمكن أن يكون مصدر إلهام للشباب المغاربة الحالمين بمستقبل كروي مشرف.
وداعًا محسن.. ستبقى في الذاكرة
ودّعتك الملاعب، لكنك لم تغب عن القلوب. في كل مدرج، في كل حديث عن المدافعين العظماء، سيُذكر اسمك. رحلت جسدًا، لكنك تركت أثرًا لا يُنسى، وذكرى ستبقى حيّة في قلوب كل من عشق الكرة المغربية في زمنها الجميل.