سبب وفاة الأستاذ الدكتور علي توفيق الحمد.. نهاية مسيرة علمية مشرّفة
في لحظة غلبت فيها مشاعر الفقد على كل من عرفه أو تتلمذ على يديه، ودّعت الساحة الأكاديمية والثقافية في الأردن يوم الثلاثاء واحدًا من أعمدة الفكر واللغة العربية، الأستاذ الدكتور علي توفيق محمد الحمد، الذي وافته المنية عن عمر ناهز واحدًا وثمانين عامًا، قضى جُلّها في خدمة العلم والمعرفة، والتعليم الجامعي الراقي.
لم يكن الراحل مجرد أستاذ جامعي، بل كان جبلًا من الحكمة، وبحرًا من اللغة، ومرجعًا نحويًا لا يشق له غبار، عرفته جامعة اليرموك رمزًا للرصانة، وعرّفه طلابه بصفاء النفس، ورقة الخُلق، وكرم العلم.
تفاصيل وفاة الأستاذ الدكتور علي توفيق الحمد
وبحسب ما ورد من إدارة جامعة اليرموك وذوي الفقيد، فقد توفي الدكتور علي توفيق الحمد مساء الثلاثاء الموافق 30 أبريل/ نيسان 2025، بعد تدهور حالته الصحية، حيث كان يعاني من أمراض الشيخوخة.
وقد تقرّر إقامة صلاة الجنازة على روحه الطاهرة عقب صلاة ظهر الخميس 1 مايو/ أيار 2025، في مسجد جامعة اليرموك في مدينة إربد، ليُشيّع بعدها إلى مثواه الأخير في مقبرة إيدون (قرب المستشفى العسكري) وسط حضور أكاديمي وشعبي كبير متوقّع، يليق بمكانة الفقيد وعطائه الممتد عبر العقود.
سيرة ذاتية حافلة بالعلم والوقار
وُلد الأستاذ الدكتور علي توفيق محمد الحمد في خمسينيات القرن الماضي في الأردن، وكرّس حياته منذ شبابه لخدمة اللغة العربية، وآدابها، ونحوها وصرفها وبلاغتها، ليصبح فيما بعد من جهابذة الدرس النحوي في جامعة اليرموك، وأحد رموز كلية الآداب الذين ساهموا في تخريج آلاف الطلبة من حملة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
وقد حاز على أعلى الدرجات العلمية، وتنقّل بين العديد من الجامعات الأردنية والعربية، مشاركًا في المؤتمرات، والندوات، والمجالس العلمية، ممثّلًا صوت النحو العربي الأصيل، والموروث العلمي الذي يحفظ للغة عزّها وجمالها.
بصمته في جامعة اليرموك.. حضور لا يُنسى
منذ انضمامه إلى الهيئة التدريسية في جامعة اليرموك، ترك الدكتور الحمد أثرًا لا يُمحى، ليس فقط على مستوى التعليم الأكاديمي، بل على المستوى الإنساني والأخلاقي، حيث عُرف ببشاشة وجهه، وابتسامته الدائمة، وتواضعه الجم، وأدبه الراقي مع زملائه وطلابه.
وقد وصفته الجامعة في بيان النعي بأنه:
“رمز العلم والمعرفة والتواضع والتعاون مع الجميع، وبوفاته تكون كلية الآداب قد خسرت أحد عمالقة الفكر وأجيال الخير والعطاء المتميز”.
مكانته بين علماء اللغة والنحو
عُرف الدكتور علي توفيق الحمد بأنه من أبرز أساتذة النحو في الأردن والعالم العربي، ووقف على أكتاف جيلٍ عظيم من العلماء الذين سبقوه مثل:
- الدكتور خليل عمايره
- الدكتور عفيف عبد الرحمن
- الدكتور خليل أبو رحمة
وكان يُعتبر امتدادًا لهذه القامات، وفي الوقت ذاته، أحد حلقات الانتقال المعرفي بين الجيل المؤسس والجيل المعاصر من طلاب العربية، ممن تتلمذوا عليه وتأثروا بمدرسته النحوية ومنهجه التحليلي.
إسهاماته العلمية والبحثية
للراحل العديد من الأبحاث المحكمة والمنشورات العلمية في مجال اللغة العربية والنحو والتراكيب والأساليب، وقد ناقش وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية التي كانت محاورها تصب في:
- تطور النحو العربي
- الخلاف النحوي بين المدارس
- القراءات القرآنية وأثرها في النحو
- البلاغة بين النظرية والتطبيق
كما كان مشاركًا فعالًا في ندوات مجمع اللغة العربية الأردني، وكان له صوت معتبر في المؤتمرات التي تُعنى بتعريب العلوم والدفاع عن هوية اللغة العربية في التعليم العالي.
شهادات بحق الراحل من زملائه وطلابه
توالت ردود الفعل عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي فور الإعلان عن رحيله، حيث نعاه زملاؤه في الجامعة، وطلابه السابقون، وعدد من الجهات الرسمية والأكاديمية.
قال أحد تلامذته:
“علمني النحو كما لم يعلّمه أحد، بحبٍ وتأنٍ، وبلا غضب من أخطاء المبتدئين، كان أبًا قبل أن يكون أستاذًا”.
بينما كتب أحد زملائه:
“كان علي الحمد ذا قلب أبيض ولسان فصيح، جمع الهيبة مع الحنان، والمهابة مع التواضع، واليوم خسرنا ركنًا من أركان الكلية”.
جنازة تليق بالعطاء
من المتوقع أن تشهد جنازة الفقيد حضورًا كبيرًا من الأكاديميين، وطلبة الدراسات العليا، والمسؤولين، ووجهاء مدينة إربد، الذين سيلبّون نداء الوداع الأخير لرجل أعطى من عمره أكثر من خمسين عامًا في محراب العلم.
وقد دعت إدارة الجامعة كل من عرفه إلى المشاركة في مراسم الجنازة التي ستُقام في مسجد الجامعة، ما يجعلها لحظة تكريم جماعي لعالم من طراز فريد.
إرثه العلمي باقٍ.. ما بقي النحو
قد يرحل الجسد، لكن تبقى كتبه، ومحاضراته، وأبحاثه، وأثره في طلبته حيًا، يدرّس في القاعات، ويُستشهد به في الكتب، ويُردّد في المحافل.
وسيظل اسمه منقوشًا في صفحات الأدب والنحو، بجوار الكبار، وفي ذاكرة جامعة اليرموك، التي أنجبت وربّت وصقلت شخصيات ساهمت في بناء المشهد الثقافي والمعرفي في الأردن.
ما بعد الرحيل.. هل تُوثّق المسيرة؟
من المتوقع أن تطلق كلية الآداب أو الجامعة خلال الفترة المقبلة مبادرات لتوثيق سيرة الدكتور علي توفيق الحمد، من خلال:
- ندوة تأبينية
- كرسي أكاديمي باسمه
- منشور علمي يوثّق أعماله
- منحة دراسية لطلاب النحو باسمه
- مثل هذه الخطوات ستضمن أن ذكراه لن تكون مجرد عاطفة، بل سيرة حية تُلهم أجيالًا من الباحثين والطلاب.
خاتمة: رحيل الكبار بصمت العلماء
بوفاة الأستاذ الدكتور علي توفيق الحمد، تخسر الساحة الأكاديمية في الأردن والأمة العربية علمًا من أعلام اللغة والنحو، وصوتًا من أصوات الحكمة، ووجهًا من وجوه الأخلاق الجامعية.
رحم الله الدكتور علي توفيق، وجعل علمه في ميزان حسناته، وألهمنا أن نواصل الرسالة التي نذر لها عمره، بأن نحفظ العربية، ونرفع لواء الفكر، ونمضي على درب العلماء.