كلمة بمناسبة اليوم العالمي للصحافة 2025: رسالة لدعم الحقيقة وحرية الكلمة في زمن الطوارئ البيئية
رسالة اليوم العالمي لحرية الصحافة ٢٠٢٥
في كل عام، يلتف العالم بأسره في الثالث من مايو ليحتفل بيوم من أهم أيام الوعي العالمي، يوم يحمل في طياته معنى الحرية، والمساءلة، ونقل الحقيقة مهما كانت الظروف. إنه اليوم العالمي لحرية الصحافة، والذي يأتي هذا العام 2025 في ظل أزمات عالمية متفاقمة، في مقدمتها حالة الطوارئ البيئية التي تهدد ليس فقط الأنظمة الطبيعية للكوكب، بل مستقبل الأجيال القادمة برمتها.
ومع تفاقم هذه الأزمات، تتعاظم أهمية الدور الذي يلعبه الصحفيون والإعلاميون، أولئك الذين يحملون شعلة الحقيقة وسط ركام المصالح والضغوط والسياسات المتغيرة، ليس فقط لنقل الأخبار، بل لتوثيق ما يجري على الأرض، ومحاسبة المتسببين، وإعطاء الناس أدوات التمكين للتغيير.
كلمة بمناسبة اليوم العالمي للصحافة 2025: صحافة بيئية في زمن الكوارث
اليوم، لم تعد الأخبار البيئية محصورة في الهامش، بل باتت تتصدر الصفحات الرئيسية. ومع ذلك، فإن الصحفيين الذين يغطون قضايا البيئة يقفون على خط النار، حيث يواجهون ضغوطًا من أصحاب النفوذ، وتحديات تقنية، وأخطارًا جسيمة تصل إلى القتل.
الطوارئ البيئية ليست حدثًا مؤقتًا، بل واقعًا مستمرًا، تزداد وطأته يومًا بعد يوم. نحن أمام كوكب يعاني من تدهور التنوع البيولوجي، وانهيار الأنظمة الإيكولوجية، وتزايد الكوارث المناخية. وفي خضم هذه الفوضى البيئية، تصبح حرية الإعلام خط الدفاع الأول، ليس لحماية الصحفيين فقط، بل لحماية الحقيقة نفسها.
رسالة اليوم العالمي لحرية الصحافة 2025: صوت الحقيقة يعلو فوق الرقابة
إن رسالة هذا اليوم لا تتعلق فقط بحرية النشر أو التعبير، بل تتعلق بحياة ملايين البشر الذين يعتمدون على الصحافة الحرة للوصول إلى الحقيقة.
الصحفيون الذين يعملون على توثيق مظاهر التدهور البيئي، يتعرضون للتهديدات، ويُمنعون من التغطية، وتُمارَس ضدهم أشكال متعددة من الرقابة، بما في ذلك المضايقات القضائية، والاحتجاز غير القانوني، والتشهير العلني، والاغتيالات الصامتة.
وتكشف تقارير اليونسكو الأخيرة أن أكثر من 750 اعتداءً موثقًا استهدف صحفيين ووسائل إعلام بيئية خلال الـ15 عامًا الماضية، في تصاعد مستمر ومقلق.
دور الإعلام في زمن التضليل: بين الحقيقة والتشويش الرقمي
أحد أخطر التحديات في عصرنا هو التضليل الإعلامي، خصوصًا في قضايا البيئة والمناخ. اليوم، تشهد منصات التواصل الاجتماعي حملات ممنهجة تهدف إلى التشكيك في فعالية الطاقة المتجددة، أو تبسيط آثار الانبعاثات الكربونية، أو خلق انطباعات زائفة بأن التغير المناخي ليس أولوية.
وفي المقابل، يتعرض الصحفيون الذين يدحضون هذه المزاعم لهجمات إلكترونية وتشكيك في مصداقيتهم، بل ويُستَغل القانون لقمعهم عبر دعاوى قضائية استراتيجية تُعرف بـ SLAPP (الدعاوى الاستراتيجية ضد المشاركة العامة).
لكن رغم كل ذلك، لا يزال آلاف الصحفيين حول العالم يواصلون أداء رسالتهم النبيلة، ويعتمد عليهم ملايين الناس في تكوين رأي مستنير حول القضايا المصيرية.
شهداء الكلمة.. حين تصبح الحقيقة مكلفة
منذ عام 2000، فقد المئات من الصحفيين حياتهم أثناء أداء مهامهم، كثير منهم أثناء تغطية قضايا بيئية حساسة، مثل التعدين غير المشروع، وقطع الغابات، والصيد غير القانوني، والتلوث الصناعي.
ومع الأسف، تفلت الغالبية الساحقة من الجناة من العقاب، في بيئة تغيب عنها العدالة، وتحكمها المصالح الضيقة.
ويكفي أن نتأمل المشهد الدموي الأخير في غزة، حيث قُتل عدد كبير من الصحفيين أثناء تغطيتهم للعدوان الإسرائيلي، مما يشير إلى مدى المخاطر التي يواجهها الإعلاميون في ساحات الحرب والنزاع.
الصحافة البيئية كركيزة للعدالة المناخية
الصحافة البيئية لم تعد مجرد نوع من التغطية التخصصية، بل غدت أداة مركزية لتحقيق العدالة المناخية. فهي تفضح انتهاكات الشركات الكبرى، وتقدم أدلة مصورة على التلوث، وتلاحق الحكومات المقصّرة، وتنقل أصوات المجتمعات المهمّشة التي تعاني من الكوارث دون دعم أو إنصاف.
إن تهميش هذا الدور يعني إفقاد العالم وسيلة جوهرية في مسار الإنقاذ المناخي. لذلك، فإن دعم حرية الصحافة اليوم ليس خيارًا سياسيًا أو قانونيًا، بل هو ضرورة وجودية لإنقاذ الكوكب.
الأمم المتحدة: حرية الصحافة ليست ترفًا بل حق أصيل
في رسالته الرسمية بمناسبة يوم حرية الصحافة لعام 2025، قال الأمين العام للأمم المتحدة:
“إننا لن نستطيع مكافحة المعلومات المغلوطة دون وقائع، ولن تكون لدينا سياسات قوية دون مساءلة. كما لن ننعم بأي شكل من أشكال الحرية إذا انعدمت حرية الصحافة”.
وأضاف أن حرية الإعلام تعاني الحصار في ظل تسارع حملات الرقابة، والتضليل، والتكميم، داعيًا الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني إلى الوقوف صفًا واحدًا لإعادة تأكيد التزامهم بحرية الإعلام وحماية الصحفيين في كل مكان.
كيف نواجه القمع الإعلامي؟ خطوات نحو بيئة صحفية آمنة
تشريعات حماية الصحفيين: سن قوانين تُجرّم الاعتداء على الصحفيين وتكفل حمايتهم أثناء أداء مهامهم.
- ملاحقة الجناة: إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب في قضايا الاعتداء على الإعلاميين.
- التوعية المجتمعية: تعليم الجمهور كيف يتحقق من المعلومات ويدعم الإعلام المستقل.
- دعم الصحافة الاستقصائية: تمويل تحقيقات تغطي قضايا المناخ والفساد البيئي.
- مراقبة التضليل الرقمي: إنشاء وحدات لرصد المحتوى المضلل، وتدريب الصحفيين على كشفه.
يوم الصحافة العالمي 2025: فرصة لتجديد الالتزام
هذا اليوم ليس مجرد ذكرى، بل مناسبة لإعادة التذكير بأن الصحافة الحرة هي الركيزة التي تقوم عليها كل الحقوق الأخرى. فبدون إعلام حر:
- لا توجد ديمقراطية حقيقية.
- ولا مساءلة للسلطة.
- ولا صوت للضعفاء.
- ولا مستقبل للوعي البيئي.
إننا بحاجة إلى دعم الصحافة المستقلة، تمامًا كما نحتاج إلى دعم الهواء النقي والماء الصالح للشرب.
دعوة للعمل: منابر الإعلام صوت الشعوب
في ختام هذه المناسبة، فإن الرسالة الأهم هي: لا تتركوا الصحافة وحدها في المعركة. فالمعركة ليست معركة مهنية فقط، بل معركة من أجل الحقيقة، من أجل كوكب صالح للعيش، من أجل أجيال تستحق أن تعرف الحقيقة كما هي، لا كما يُراد لها أن تُرسم.