سبب وفاة جمعة اللامي الحقيقي.. رحيل قامة أدبية صنعت تاريخ السرد العراقي
في صباح هادئ من أيام نيسان، ترجل فارس السرد العراقي، جمعة اللامي، عن جواده بعد رحلة طويلة في دروب الإبداع والنضال الثقافي. الكاتب الذي عاش كمنفي دائم، ومثقف مشاكس لا ينكسر، اختار أن تكون الشارقة مثواه الأخير، بعد أن احتضنت غربته لخمسة عقود.
جمعة اللامي، الاسم الذي لا يمكن تجاهله في قائمة كبار القصة والرواية العربية، لم يكن مجرد كاتب فحسب، بل كان صوتًا مقاومًا، قلمًا ملتزمًا، وعقلًا طليعيًا دفع بالأدب العربي إلى آفاق تجريبية جديدة. رحيله في 17 أبريل 2025 لم يكن مجرد فقد لشخص، بل كان خسارة لمؤسسة فكرية قائمة بذاتها.
في هذا المقال، نسلط الضوء على سبب وفاة جمعة اللامي، ونسرد تفاصيل حياته الغنية، ونقدم تحليلًا لإرثه الأدبي وأثره الكبير في المشهد الثقافي العراقي والعربي.
سبب وفاة جمعة اللامي الكاتب والروائي العراقي
رحل الكاتب العراقي الكبير جمعة اللامي في 17 أبريل 2025 عن عمر ناهز 78 عامًا، في إمارته الحبيبة “الشارقة”، بعد معاناة صحية لم يُعلن عن تفاصيلها بشكل رسمي.
وبحسب ما تم تداوله في الصحف الثقافية وبعض منصات التواصل الاجتماعي، فإن اللامي كان يعاني من أمراض مزمنة مرتبطة بتقدمه في العمر، وربما تعرض لتدهور مفاجئ في وضعه الصحي خلال أيامه الأخيرة. ومع غياب تصريح رسمي يوضح السبب الدقيق للوفاة، فإن الاحتمال الأقرب هو تدهور الحالة الصحية بسبب التقدم في العمر.
رحيله كان صادمًا لكل من تتلمذ على نصوصه أو استلهم من كتاباته، وقد عبر العشرات من الكتّاب والمثقفين العرب عن حزنهم العميق لفقدان هذا القامة الأدبية.
من هو جمعة اللامي ويكيبيديا السيرة الذاتية؟
ولد جمعة عجيل درويش راشد اللامي في الأول من يوليو عام 1947 في محافظة ميسان (لواء العمارة) جنوب العراق، في منطقة تعرف بالفقر والقسوة الاجتماعية، وهي بيئة تركت أثرًا عميقًا على رؤيته الأدبية والإنسانية.
نشأ في بيئة ثقافية شفهية، غنية بالحكاية، وعايش التهميش والفقر، ما جعله أكثر قربًا من القضايا التي تناولها لاحقًا في أعماله: الظلم الاجتماعي، المنفى، المقاومة، وصراع الهوية.
رحلة التعليم والسجن والكتابة
التحق جمعة اللامي بالدراسة في بغداد، لكن حياته أخذت مسارًا صعبًا حين اعتقل عام 1963 على خلفية نشاطه السياسي، وحُكم عليه بالسجن 12 عامًا، قضى منها ست سنوات في سجون متعددة، وهي تجربة شكلت شخصيته الفكرية وصقلت وعيه بالحرية.
في الزنزانة، لم تكن القيود حائلًا أمام قلمه، بل كانت تلك المرحلة بداية حقيقية لميلاد صوت أدبي فريد، حيث بدأ يكتب القصص والملاحظات الفلسفية، مستلهمًا من الظلام ضوء الإبداع.
انطلاقته الأدبية والصحفية
بدأ اللامي الكتابة في وقت مبكر، إذ نشرت له أولى القصص القصيرة عام 1965، وكانت بعنوان “الحصان”، لتلفت الأنظار إلى صوت جديد مختلف تمامًا في المشهد العراقي. في تلك المرحلة، كان الأدب العراقي يميل إلى الواقعية المباشرة، لكن اللامي كسر القالب وبدأ بتجريب أدوات سرد جديدة.
دخل مجال الصحافة عام 1968، وعمل لاحقًا في مجلات وصحف مثل “الخليج” و”الاتحاد” في الإمارات، كما شغل منصب مدير تحرير مجلة “ألف باء” العراقية قبل أن يغادر العراق نهائيًا.
استقراره في الشارقة: وطن المنفى
منذ عام 1980، استقر اللامي في الشارقة، وأسس فيها مسيرته الأدبية خارج الوطن. لم تكن الشارقة فقط مكانًا للإقامة، بل أصبحت منبرًا لنشر أفكاره ورواياته ومقالاته، وبيئة ثقافية احتضنته وقدرته.
وقد شغل فيها مناصب عدة، منها:
- كاتب متفرغ في صحيفة الخليج حتى عام 2009.
- خبير ثقافي في دائرة الثقافة والإعلام بعجمان.
- رئيس مركز الشارقة-ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية.
أبرز الأعمال الأدبية لجمعة اللامي
اشتهر اللامي بروايات وقصص ذات طابع تجريبي حاد ولغة شاعرية، وتميز بميله نحو تفكيك الشكل الكلاسيكي للسرد. من أبرز أعماله:
- من قتل حكمة الشامي؟ (1976): مجموعة قصصية تُعد علامة فارقة في تاريخ القصة العراقية.
- مجنون زينب: رواية ذات بناء روحي فلسفي.
- جسد من حرير.
- العمارة.. الدم والماء.
- قصص ومقالات صحفية تتناول قضايا الهوية والمنفى والمقاومة.
- تميزت أعماله باستخدام تقنيات “الكاليغرام”، وهي تحويل النص إلى صورة مرئية أو تشكيل جمالي.
ترجمات عالمية وتكريمات أدبية
لم تقف شهرة جمعة اللامي عند حدود العراق أو الخليج، بل تُرجمت أعماله إلى لغات عالمية منها:
- الإنجليزية
- الفرنسية
- الألمانية
- الروسية
وقد حصل على عدة جوائز أبرزها:
- جائزة السلطان قابوس للإبداع الثقافي في القصة القصيرة عام 2006.
- جائزة العنقاء الذهبية الدولية 2007.
- قلادة الإبداع.
- الجائزة الأولى في مؤتمر الكتّاب الشباب عام 1977 ببغداد.
آراء النقاد في جمعة اللامي
قال عنه الدكتور محسن الموسوي:
- “جمعة اللامي هو السرد الباحث عن اليقين في أرض لا تعترف باليقين.”
في حين اعتبره الناقد عصام محفوظ:
- “أبولينير القصة العراقية… شاعر في ثوب روائي.”
وهذه الآراء تعكس عمق التقدير النقدي له، وكونه رائدًا في بناء الشكل القصصي المعاصر.
إرث جمعة اللامي الأدبي والفكري
عند الحديث عن إرث اللامي، لا يمكن تجاهل دوره في:
- كسر حواجز الرقابة الأدبية والسياسية.
- خلق خطاب ثقافي مقاوم للاستبداد.
- المساهمة في إعادة صياغة الهوية العراقية من خلال الفن والسرد.
- نشر الأدب العراقي في المحافل الدولية.
- كما أن تأسيسه لـمركز الشارقة-ميسان كان محاولة منه لدمج الثقافتين الخليجية والعراقية في حوار متكافئ.
أصداء وفاته في الأوساط الثقافية
مع إعلان خبر الوفاة، اجتاحت منصات التواصل موجة من الحزن، وكتب كُتّاب كبار في العراق والإمارات عن هذا الفقد الأليم. ومن أبرز ما قيل:
- “جمعة اللامي رحل.. لكنه سيظل بيننا في كل قصة تحفر الذاكرة، وفي كل نص يرفض الانكسار.”
- “وداعًا للضمير الحر.. رحل من كان يكتب لا ليُعجب، بل ليُوجع ويوقظ.”
- “اللامي لم يمت، بل عاد إلى العمارة، عاد إلى ميسان، عاد إلى الطين الأول.”
فقرة ختامية: جمعة اللامي.. الذي كتبنا قبل أن نكتب
في زمن التحولات الصاخبة، كان جمعة اللامي هو الثابت؛ القلم الذي يكتب ليواجه، لا ليُزين. رحل هذا العملاق، لكنه ترك لنا صوتًا يشبه الوطن، يشبه الغربة، ويشبه الخبز الساخن في فجر الفقراء.
سيبقى اللامي في وجدان كل كاتب يحلم بأن تكون كلماته رصاصة في وجه الظلم، وقبلة على جبين الحرية.