سبب وفاة ياسر عبد الرحيم الطبيب السوداني.. سيرة طبيب دفع ثمن الإنسانية في زمن الحرب

في وطنٍ يعيش تحت ظلال الدخان، وتغيب فيه ضحكات الطفولة خلف أزيز الرصاص، يُولد الأمل أحيانًا على هيئة بشر. كان ياسر عبد الرحيم واحدًا من هؤلاء البشر، طبيبًا سودانيًا في مستشفى الخدمات الطبية والصحية التابعة لجامعة الخرطوم، لم يكتف بممارسة مهنته في صمت، بل آمن بدور الإنسان قبل أن يكون مهنياً، حتى اختُطف من بين مرضاه، وعاد جثمانًا هامدًا من معتقلات “الدعم السريع”.

في أبريل 2025، ومع استمرار النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، أعلنت جامعة الخرطوم في بيان رسمي وفاة أخصائي الطب النفسي الدكتور ياسر عبد الرحيم، وسط حالة من الحزن العارم، والذهول الشعبي، والأسئلة المؤلمة: كيف يُقتل طبيب خرج من معتقل؟ لماذا يُعتقل من الأساس؟ وما قصة الطبيب الإنسان الذي اختفى تحت سياط المعاناة ثم عاد ضحية؟ في هذا المقال، نغوص في تفاصيل القصة، ونرصد تداعياتها على المجتمع الطبي والحقوقي في السودان وخارجه.

من هو الطبيب ياسر عبد الرحيم ويكيبيديا السيرة الذاتية؟ الطبيب والإنسان

ياسر عبد الرحيم لم يكن مجرد طبيب نفسي في مستشفى جامعي، بل كان رمزًا للهدوء، والإنصات، والرعاية. يعمل في مستشفى الخدمات الطبية والصحية بجامعة الخرطوم، إحدى أهم المؤسسات العلاجية التعليمية في السودان، وكان معروفًا بين زملائه وطلابه بحسه الإنساني العالي، وتفانيه في معالجة المرضى الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، خصوصًا أولئك المتأثرين بآثار الحرب والنزوح.

ولد ياسر في الخرطوم، وتخرج من كلية الطب جامعة الخرطوم، ثم تخصص في الطب النفسي، واختار أن يُكرّس حياته لمساعدة الأرواح المعذبة في مجتمعٍ يعاني من الفقر، العنف، والضغوط النفسية المتراكمة بفعل الحروب والسياسة والظروف الاجتماعية الصعبة.

تفاصيل وفاته.. بعد خروجه من معتقلات الدعم السريع

أعلنت جامعة الخرطوم، في بيان مقتضب، أن الطبيب ياسر عبد الرحيم تُوفي إثر علة صحية ألمّت به عقب خروجه من معتقلات قوات الدعم السريع، دون أن تُفصّل طبيعة الاعتقال أو ملابساته. لكن هذا الصمت الرسمي حمل في طياته صرخات الغضب، إذ سرعان ما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الصحفية، بطرح الأسئلة:

  • لماذا اعتُقل طبيب يمارس عمله؟
  • هل تعرض للتعذيب أو الإهمال؟
  • ما العلة التي أودت بحياته؟
  • هل ستُحاسب الجهات التي كانت تحتجزه؟

كل هذه الأسئلة تُسلّط الضوء على انتهاكات متكررة بحق الكوادر الطبية في السودان، ضمن بيئة حرب لا تفرّق بين مقاتل وطبيب، ولا بين ناشط ومواطن بسيط.

صدمة المجتمع الطبي السوداني.. “كلنا ياسر عبد الرحيم”

بعد إعلان الوفاة، تحوّل اسم ياسر عبد الرحيم إلى أيقونة على منصات التواصل، وخرجت بيانات إدانة واسعة من:

  • نقابة الأطباء السودانيين
  • رابطة أطباء جامعة الخرطوم
  • اتحاد طلاب كلية الطب
  • منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية

الكل أجمع على أن وفاة ياسر لم تكن طبيعية، بل كانت نتيجة مباشرة لاعتقاله، وما تعرّض له من ضغوط صحية ونفسية وجسدية خلال احتجازه. وقال أحد زملائه في منشور فيسبوكي:

“ياسر كان الطبيب الذي يعالج آثار الحرب النفسية على ضحاياها.. لكنه لم ينجُ من نفس الحرب التي حاول تضميد جراحها.”

الحرب في السودان.. سياق لا يمكن فصله عن الوفاة

لفهم سبب وفاة ياسر عبد الرحيم بالكامل، لا بد من وضعها في سياقها الحقيقي، أي الحرب الأهلية السودانية التي بدأت في أبريل 2023، عندما اندلع النزاع الدموي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ومنذ ذلك الحين، تحوّلت العاصمة الخرطوم وسواها من المدن إلى ساحات قتال مدمرة.

أرقام الأمم المتحدة صادمة:

  • 20 ألف قتيل منذ اندلاع القتال
  • قرابة 10 ملايين نازح ولاجئ
  • 13 ولاية من أصل 18 باتت في مرمى النيران
  • أزمة إنسانية خانقة تهدد بالمجاعة والوباء وانهيار البنى التحتية

في ظل هذا المشهد الكارثي، تحوّل الكوادر الطبية إلى أهداف غير محمية. المستشفيات تُقصف، الأطباء يُعتقلون، والمرضى يُتركون بين الأنقاض.

الأطباء هدف في مرمى الحرب

ليست هذه المرة الأولى التي يُعلن فيها عن وفاة طبيب سوداني بعد اعتقاله أو اختطافه. منذ بدء الحرب، تعرّض العشرات من الأطباء والممرضين لانتهاكات متعددة، شملت:

  • الاعتقال التعسفي
  • التعذيب الجسدي والنفسي
  • الإجبار على العمل تحت التهديد
  • استهداف المستشفيات والمرافق الصحية

وتؤكد منظمة أطباء بلا حدود أن البيئة الطبية في السودان أصبحت الأخطر في العالم، حيث يتقلص عدد الأطباء بسبب الخطف أو الهجرة، وتزداد أعداد الجرحى والمرضى وسط غياب الرعاية الصحية.

ما الذي يثير القلق في قصة وفاة ياسر عبد الرحيم؟

1. الضبابية
لم تُصدر الجهات المعنية تقريرًا رسميًا يوضح أسباب الوفاة الطبية، ما يجعل القضية مفتوحة على احتمالات خطيرة مثل الإهمال الطبي، التعذيب، أو الإصابة بمرض خطير داخل المعتقلات.

2. غياب التحقيق
رغم مطالبات أهلية ونقابية بفتح تحقيق مستقل، لم تُعلن السلطات القضائية أو الحقوقية أي نية للمتابعة، ما يُعد خرقًا صريحًا للعدالة وحقوق الإنسان.

3. تكرار الحوادث
وفاة ياسر ليست استثناءً، بل جزء من سلسلة تتكرر بصمت مرعب، ما يدفع كثيرين إلى التساؤل: من القادم؟

ردود أفعال المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية

أصدرت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ملاحظات شديدة اللهجة بشأن الانتهاكات المتكررة ضد الكوادر الطبية في السودان، وطالبتا بتحقيق مستقل في وفاة ياسر عبد الرحيم، مع ضرورة:

  • توثيق ظروف احتجازه
  • الكشف عن السجلات الطبية الخاصة به
  • محاسبة المسؤولين عن أي تقصير أو إساءة

كما عبّر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) عن قلقه من تحول العاملين في القطاع الصحي إلى أهداف خلال النزاع.

هل يُمكن أن تتحول وفاة ياسر عبد الرحيم إلى قضية رأي عام؟

نعم. بل إنها في طور التحول الآن. مع تزايد المنشورات، والتفاعل الواسع من الأطباء والناشطين، تبرز قضية ياسر عبد الرحيم كأيقونة جديدة للظلم في السودان. ربما تتحول قصته إلى:

  • ملف حقوقي في المحافل الدولية
  • مادة إعلامية تؤجج الضغط على أطراف النزاع
  • نقطة بداية لحراك مجتمعي لحماية الكوادر الطبية

ما الذي يمكن فعله الآن؟

  • الضغط من المنظمات المحلية والدولية لفتح تحقيق رسمي
  • توثيق جميع حالات الاعتقال والانتهاكات ضد الكوادر الصحية
  • تفعيل القنوات الإعلامية لإبقاء قضية ياسر حيّة
  • دعم أسرته قانونيًا ومعنويًا

فقرة ختامية: حين يصبح الطبيب شهيدًا للرحمة
قصة ياسر عبد الرحيم ليست مجرد سيرة طبيب انتهت مبكرًا، بل شهادة مؤلمة على ما يحدث في بلدٍ كان يُعرف بـ”سلة غذاء إفريقيا”، ثم تحول إلى مأساة إنسانية نازفة. أن يُعتقل طبيب نفسي، ثم يخرج ليموت بسبب “علة”، هو انتهاك صارخ لكل القيم الطبية والإنسانية والدينية.

إن رحيل ياسر لا يُنهي صوته، بل يجعله أكثر حضورًا، كلما قرأ طالب طب قصته، أو تساءل ضمير حي: لماذا يموت الأطباء الذين ينقذون الحياة؟ فيا ياسر، ستبقى في الوجدان، صوت العقل في زمن الجنون، وضحية للإنسانية في زمن الحرب.

علي شاهين

كاتب مثقف ومتعدد المواهب، يمتلك شغفًا بالمعرفة والاكتشاف. يكتب عن مجموعة واسعة من الموضوعات، من الثقافة والفنون إلى السياسة والاقتصاد. يتميز بأسلوبه الرصين والتحليلي الذي يضيف قيمة معرفية للقارئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !