من هو محمد كمال دقاق؟ سيرة ضابط انحاز للشعب لا للسلطة

في خضم التحولات الدراماتيكية التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، برزت أسماء كثيرة على الساحة، بعضها ارتبط بالسلطة، وبعضها اتخذ مسارًا مغايرًا، ومن بين تلك الشخصيات التي كتبت اسمها في سجل الكرامة الوطنية، كان الرائد محمد كمال دقاق، ضابط الشرطة المنشق الذي اختار الانحياز للشعب، وواصل مسيرته في خدمة القانون حتى في غياب الدولة المركزية. فمن هو محمد دقاق؟ وما تفاصيل حياته ومسيرته؟

من هو محمد كمال دقاق ويكيبيديا: ابن حلب الذي عرف طريق الانضباط مبكرًا

ولد محمد كمال دقاق في مدينة حلب، إحدى أعرق المدن السورية وأشدها ارتباطًا بالتاريخ والثقافة. منذ نشأته، اتسمت شخصيته بالجدية والانضباط، وهي السمات التي أهلته للانخراط في سلك الشرطة، حيث التحق بالأكاديمية الأمنية وتخرج منها برتبة ملازم، ثم شق طريقه في التدرج الوظيفي حتى نال رتبة رائد في جهاز الشرطة، وهي رتبة تعتبر من الرتب المتقدمة في جهاز الأمن الداخلي.

لم يكن مجرد موظف رسمي، بل شخصية ملتزمة بالقانون والعدالة، ويُعرف عنه حرصه على تطبيق النظام دون تعسف، ما أكسبه سمعة طيبة داخل أروقة مؤسسات الدولة وبين المواطنين.

الضابط الذي قال “لا” في وقت الصمت: لحظة الانشقاق

في عام 2011، ومع انطلاق شرارة الحراك الشعبي في سوريا، واجه رجال الأمن والجيش اختبارًا مصيريًا: إما الانحياز إلى الشعب أو تنفيذ أوامر القمع. في هذه اللحظة الدقيقة، اتخذ الرائد محمد دقاق القرار الأصعب والأكثر جرأة: الانشقاق عن نظام بشار الأسد.

ورفض دقاق المشاركة في قمع المظاهرات السلمية، وبدلًا من ذلك قرر الانضمام إلى صفوف الثورة السورية، معلنًا أن ولاءه الحقيقي هو للوطن لا للنظام. وقد جعله هذا القرار من أوائل الضباط المنشقين، ما زاد من رمزية شخصيته في أوساط المعارضة والمجتمع المدني.

ما بعد الانشقاق: دور مدني في زمن الفوضى

لم يختف دقاق عن الأنظار بعد انشقاقه، بل انتقل إلى مرحلة جديدة من العمل الوطني. في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، برز اسمه كأحد الضباط المنشقين الذين أعادوا بناء نموذج مصغر للدولة.

فقد شارك في إعادة تنظيم الشؤون المرورية، وأسهم في فرض النظام العام ضمن بيئات تعج بالاضطرابات والفصائل المختلفة. كان يسعى دائمًا إلى ترسيخ فكرة أن “الحرية لا تعني الفوضى”، وأنه بالإمكان بناء مؤسسات مدنية في ظروف استثنائية.

ولعل أكثر ما ميّز هذه المرحلة هو احترام المدنيين له، إذ رأوا فيه نموذجًا مغايرًا لرجل الأمن، شخصًا يحترم كرامتهم ويحافظ على سلامتهم دون أن يُخضعهم للابتزاز أو الإذلال.

تعيينه معاونًا لرئيس فرع المرور في حلب: دلالة رمزية لمرحلة جديدة

في 6 أبريل 2025، صدر قرار رسمي بتعيين الرائد محمد كمال دقاق في منصب معاون رئيس فرع المرور في مدينة حلب. هذا القرار لم يكن عاديًا، بل أثار اهتمامًا واسعًا على المستوى المحلي وحتى الإقليمي، نظرًا إلى الخلفية النضالية للرجل.

عودة دقاق إلى موقع رسمي داخل مدينة حلب، التي كانت إحدى ساحات الثورة الكبرى، عكست نوعًا من التصالح المجتمعي ورغبة في بناء مؤسسات جديدة على أسس مختلفة، بعيدًا عن الولاءات السياسية الضيقة.

وتُقرأ هذه الخطوة أيضًا باعتبارها إعادة اعتبار للكفاءات الوطنية التي رفضت القمع، وكانت قادرة على الاستمرار في العمل المدني رغم التحديات.

ردود الفعل: إشادة من الداخل ومتابعة خارجية

ما إن تم الإعلان عن تعيين دقاق حتى امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي برسائل الدعم والإشادة، خاصة من أبناء حلب الذين اعتبروا القرار عودة الروح إلى مؤسساتهم.

بعض الناشطين اعتبروا أن تعيين دقاق هو “اعتذار غير مباشر” من الدولة للمجتمع الذي خرج يطالب بالإصلاح، فيما رأى آخرون أن هذه الخطوة يمكن أن تشجع المصالحة المجتمعية وتعزز ثقة الناس بالعدالة.

أما على الصعيد الخارجي، فقد تابعت بعض المنصات الإخبارية هذا التطور كإشارة إلى تغير في طريقة تعاطي السلطة مع من كانوا يومًا جزءًا من المعارضة.

بين النظام والثورة: كيف حافظ دقاق على استقلاليته؟

من أهم ما يميز الرائد محمد دقاق أنه لم يتحول إلى مجرد رمز للمعارضة ولا عاد كليًا إلى منظومة النظام. بل حافظ على نوع من الاستقلالية الفكرية والمهنية، فكان أقرب إلى نموذج “الضابط الوطني” الذي يرى أن خدمة الناس لا تقتصر على الولاء لجهة معينة.

وقد ساعده ذلك في الحفاظ على مصداقيته داخل المجتمع، وجعله مؤهلًا للعب أدوار مهمة في مراحل إعادة الإعمار أو إعادة هيكلة مؤسسات الدولة لاحقًا.

التحديات التي واجهها محمد دقاق بعد عودته للمؤسسة الرسمية

قرار إعادة دقاق إلى موقع مسؤولية لم يكن خاليًا من التحديات، فهناك من ينظر بعين الريبة لأي شخصية منشقة تعود إلى “حضن الدولة”، وهناك من يتساءل عن الضمانات التي تحميه من الاستهداف أو التهميش.

لكن شخصية دقاق نفسها، بما تمتلكه من كاريزما ومكانة، كانت كفيلة بتبديد تلك الشكوك، لا سيما أنه معروف بمهنيته ووضوحه، ولا يهادن في المبادئ التي انطلق منها عام 2011.

هل يشكل دقاق نموذجًا قابلًا للتكرار؟

تفتح تجربة محمد دقاق الباب أمام تساؤلات مهمة: هل بالإمكان أن تُكرّر هذه التجربة في مدن ومجالات أخرى؟ هل يمكن للضباط المنشقين والكوادر الوطنية أن يكونوا جزءًا من مرحلة إعادة بناء الدولة؟

المراقبون يرون أن ما فعله دقاق هو أكثر من مجرد انشقاق وعودة، بل هو تجربة كاملة في بناء الجسور بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، وقد تكون نواة لإعادة الثقة بين الدولة ومواطنيها.

ماذا بعد؟ طموحات مستقبلية وموقعه في المشهد السوري

رغم صعوبة التكهن بمسار الأحداث في سوريا، إلا أن شخصية مثل محمد دقاق تبقى محط أنظار الكثيرين، سواء كقيادي محتمل في الشرطة المدنية، أو كمستشار في ملفات الأمن المجتمعي، أو حتى كشخصية سياسية معتدلة مستقبلًا.

الخطوة القادمة قد تكون تعيينه في منصب أعلى ضمن وزارة الداخلية أو وزارة الحكم المحلي، خاصة في ظل الحاجة الملحة إلى شخصيات نزيهة وذات تاريخ نضالي يمكن البناء عليها في المرحلة القادمة.

خاتمة: الضابط الذي انتصر للناس.. لا للنظام
إن سيرة الرائد محمد كمال دقاق تلخص حكاية سوريا خلال العقد الأخير، حكاية الانقسام والتمرد، الصدمة والأمل، الفوضى وإعادة البناء. اختار دقاق منذ اللحظة الأولى أن يقف إلى جانب الناس، ورفض أن يكون أداة للقمع.

واليوم، وبعد سنوات من الغياب، يعود ليؤدي دورًا جديدًا من داخل المؤسسة، لكن بروح مستقلة وشعبية راسخة، ليكون شاهدًا على أن سوريا التي يحلم بها الملايين ما زالت ممكنة، حين يقرر الأوفياء أن يعودوا إلى الميدان، لا كأدوات سلطة، بل كخدام للوطن.

فيروز أحمد

كاتبة متميزة تمتلك حساً إبداعياً فريداً وقدرة على صياغة الأفكار بأسلوب شيق ومبتكر. تتقن فيروز فن السرد القصصي، وتتميز بقدرتها على نقل القارئ إلى عوالم مختلفة من خلال شخصياتها الواقعية وأحداثها المشوقة. تهتم فيروز بتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية الهامة، وتسعى دائماً إلى إثارة النقاش والتأمل من خلال كتاباتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !