سبب وفاة المهندس بشير خالد لطيف الحقيقي.. تفاصيل مأساوية تهز العراق
في مشهد صادم ومؤلم، استيقظ العراقيون يوم الاثنين 7 أبريل 2025 على خبر وفاة المهندس بشير خالد لطيف، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرًا بجراحه الخطيرة داخل أحد مستشفيات بغداد، بعد أيام من اعتقاله وتعرضه لاعتداءات متتالية في مراكز الاحتجاز.
لم تكن الواقعة مجرد حادث فردي، بل تحولت إلى قضية رأي عام أعادت فتح ملفات قديمة تتعلق بـ”سوء المعاملة داخل السجون”، و”غياب الرقابة على الأجهزة الأمنية”، لتدق ناقوس الخطر من جديد حول كرامة الإنسان في العراق.
من هو المهندس بشير خالد لطيف ويكيبيديا؟
يُعرف المهندس بشير خالد لطيف بأنه شخصية أكاديمية ومهنية محترمة، حاصل على شهادة في الهندسة من جامعة مرموقة في بغداد. شاب في مقتبل العمر، متزوج وأب لطفلين، يعمل في قطاع المشاريع الهندسية الخاصة، ولم يُعرف عنه سوى حسن السمعة والانضباط.
لم يكن بشير ناشطًا سياسيًا ولا جزءًا من أي تيار، بل مثالًا للمواطن العراقي العادي، الذي خرج من بيته ذات مساءٍ في أمان، ولم يعد أبدًا.
بداية القصة: ليلة شجار ومصير مجهول
تبدأ فصول القصة في ليلة 27 إلى 28 مارس 2025، عندما توجه بشير إلى مجمع الأيادي السكني في منطقة بسكولاته ببغداد. ادعى أنه مدعو لتناول وجبة سحور، لكنه لم يكن مدرجًا ضمن قائمة الضيوف المسموح لهم بالدخول.
رغم محاولاته المتكررة للحصول على إذن، لم يتمكن من دخول المجمع عبر البوابة الرسمية. وهنا، لجأ إلى تسلق السياج والدخول بطريقة غير قانونية، وتوجه إلى العمارة رقم 11، حيث يسكن اللواء عباس علي التميمي، مدير الرواتب في الشرطة الاتحادية.
لحظة التصعيد: من جدال إلى اعتقال
بمجرد وصول بشير إلى باب شقة اللواء، حدثت مشادة كلامية تبعتها مشاجرة، حيث أكد اللواء عباس أنه لا يعرف المهندس، ولا توجد بينهما أي علاقة.
خرج أبناء اللواء للتصدي له، وحدث اشتباك بالأيدي. تدخلت اللجنة الأمنية في المجمع واتصلت بالنجدة، وتم اصطحاب الطرفين إلى مركز شرطة حطين.
هنا تحوّل بشير من زائر غير مدعو إلى موقوف رسمي بموجب المادة 428 من قانون العقوبات العراقي، بتهمة محاولة الدخول إلى منزل عنوة.
داخل الزنزانة: تفاصيل الساعات السوداء
بحسب رواية وزارة الداخلية، كان بشير يعاني من حالة “هستيرية” داخل المركز، ورفض الطعام وخلق نوعًا من الإرباك للحرس. تم نقله إلى مستشفى الكرخ المركزي، حيث شُخّصت لديه إصابة بالرأس، لكنه لم يُحتجز في المستشفى، بل أُعيد إلى مركز الاحتجاز.
لاحقًا، نُقل إلى مركز شرطة الجعيفر، المعروف باحتوائه على السجن المركزي التابع لشرطة الكرخ. هناك، وقع ما لم يكن في الحسبان: اعتداء وحشي من قبل موقوفين آخرين، كما أثبتت تسجيلات الكاميرات لاحقًا.
بشير لم يكن في وعيه بعدها، حيث نقل مجددًا إلى المستشفى وهو في حالة موت سريري استمرت لأيام، قبل أن يفارق الحياة صباح 7 أبريل 2025.
وزارة الداخلية تتحرك: تحقيقات وتوقيفات
تحت الضغط الشعبي والإعلامي، أعلنت وزارة الداخلية عن فتح تحقيق شامل في القضية. وصرّح وكيل الوزارة لشؤون الشرطة، الفريق هادي رزيج، بأن وزير الداخلية أمر بتشكيل لجنة تحقيقية، قامت بما يلي:
- زيارة المجمع السكني ومراكز الشرطة ذات الصلة
- الاستماع إلى أقوال اللواء عباس وأولاده
- مراجعة الكاميرات في مراكز الاحتجاز
- التحقق من تقارير الأطباء في مستشفى الكرخ
وأكدت الوزارة أنه تم توقيف اللواء عباس وأبنائه مؤقتًا على ذمة التحقيق، بانتظار اتضاح ملابسات الاعتداء.
تقرير اللجنة التحقيقية: مسؤولية مزدوجة
أعلنت اللجنة التحقيقية أن الاعتداء الجسدي وقع فعليًا من قبل اللواء وأبنائه أثناء المشاجرة، كما ثبت وقوع اعتداء لاحق عليه من الموقوفين داخل السجن.
لكنها لم تجد، وفق التقرير، أي دليل على “تورط ضباط الشرطة أو أفراد الأمن في تعذيب مباشر لبشير داخل الزنزانة”.
كما أوصت اللجنة بفتح ملف قضائي لذوي المهندس بشير بصفة “مشتكين” ضد اللواء عباس وأولاده، لكشف العلاقة الغامضة بينهم، والدوافع التي دفعت بشير لمحاولة دخول شقتهم.
نقابة المهندسين تتدخل: صرخة مؤسساتية
لم تقف نقابة المهندسين العراقية مكتوفة الأيدي، بل أصدرت بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه الحادثة ووصفتها بـ”الجريمة البشعة” التي تعكس غياب الأمان داخل المؤسسات الأمنية.
وجاء في البيان:
“ما تعرض له زميلنا بشير خالد من تعذيب وانتهاك صارخ لحقوقه الإنسانية يمثل كارثة أخلاقية لا يمكن التغاضي عنها. نطالب بتحقيق شفاف، ومحاكمة عادلة، ومحاسبة صارمة لكل من تسبب في فقدان هذا الشاب البريء لحياته.”
الشارع العراقي يغلي: احتجاجات وردود فعل غاضبة
انتشر وسم #العدالة_لبشير_خالد بسرعة على منصات التواصل، حيث عبّر آلاف العراقيين عن صدمتهم من القصة، وطالبوا بإصلاح جذري في نظام الاحتجاز، وإنهاء التعذيب في السجون.
حتى أعضاء في البرلمان دعوا إلى استجواب وزير الداخلية، وتشكيل لجنة برلمانية مستقلة لمراقبة السجون والمراكز الأمنية.
أسئلة لا تزال بلا إجابة
رغم كل ما كشف، لا تزال هناك علامات استفهام:
- لماذا أصر بشير على دخول شقة اللواء؟
- هل كان هناك اتصال سابق بين الطرفين؟
- لماذا لم يُنقل إلى المستشفى رغم إصابته؟
- من المسؤول عن الاعتداء داخل الزنزانة؟
- وهل سيتم محاسبة من سهّل وقوع ذلك؟
الخاتمة: ما بعد بشير خالد
وفاة المهندس بشير خالد لم تكن مجرد قصة شخصية، بل صفعة قوية لكل من يؤمن بالدولة المدنية وحقوق الإنسان. إنها تذكرة بأن الكرامة ليست شعارًا يُرفع في المؤتمرات، بل حق لا يُمكن التنازل عنه.
نأمل أن تكون قضيته بداية لتحرك وطني شامل نحو بناء منظومة أمنية عادلة، تحترم الإنسان، وتقدس القانون.