ما هي رياح البوارح؟ ظاهرة صيف الخليج التي لا ترحم

مع كل دخول لفصل الصيف، يترقّب سكان الخليج العربي ظاهرة جوية مميزة تُعيد تشكيل ملامح البيئة، وتُجبر الجميع على تعديل أنماط حياتهم اليومية. إنها رياح البوارح، القوة الغامضة التي تحمل معها الغبار والحرارة والتحديات.

ليست رياح البوارح مجرد تقلبات طقسية، بل موسم قائم بذاته، يفرض حضوره بقوة ويترك أثره على الصحة والاقتصاد والبيئة. وبالرغم من أنها متوقعة سنويًا، فإن شدتها، توقيتها، ومدتها قد تختلف من عام إلى آخر، وهو ما يجعل فهمها والتعامل معها أمرًا ضروريًا لا رفاهية.

في هذا المقال، نُسلّط الضوء على كل ما يتعلق برياح البوارح من حيث التعريف، التسمية، الأسباب، الأنواع، التأثيرات، والاستعدادات، بأسلوب علمي مبسّط يناسب القارئ العام، ويعتمد على أحدث ما جاء في النشرات الفلكية وأقوال المتخصصين أمثال الدكتور خالد الزعاق.

ما هي رياح البوارح؟

رياح البوارح هي رياح موسمية شمالية إلى شمالية غربية جافة وقوية، تهب سنويًا خلال فصل الصيف على منطقة الخليج العربي، وتمتد آثارها لتشمل شرق ووسط السعودية، الكويت، البحرين، جنوب العراق، وأجزاء من قطر والإمارات.

تبدأ عادةً في أواخر شهر مايو وتستمر حتى أواخر يوليو، وتُعد من أبرز مظاهر القيظ العربي، وتُرافقها موجات غبارية كثيفة تُحجب معها الرؤية، وتُصعّب التنقل، وتؤثر على الصحة العامة.

لماذا سُمّيت برياح البوارح؟

تعود التسمية إلى الجذر اللغوي “بَرَحَ”، والذي يعني زال أو غادر. ولأن هذه الرياح تُبرح الأرض وترفع الغبار وتُغير معالم المكان، فقد لُقّبت بـ”البوارح”.

يقال أيضًا أنها “تبرح الناس أذى”، أي تُلحق بهم التعب والتأثير بسبب الغبار الكثيف، والحرارة المصاحبة، ما يسبب اضطرابات في نمط الحياة.

أسباب تشكل رياح البوارح

تشكل رياح البوارح ناتج عن تفاعل معقد بين أنظمة الضغط الجوي والحرارة، وتشمل أبرز الأسباب:

1. المنخفض الموسمي الهندي

يتشكل فوق شبه القارة الهندية خلال الصيف، ويجذب الرياح من المناطق المجاورة، خاصة من الشمال الغربي للجزيرة العربية، ما يخلق تيارات قوية باتجاه الخليج.

2. المرتفع الجوي على شرق المتوسط

عندما يكون هناك ضغط جوي مرتفع على شرق البحر الأبيض المتوسط، فإنه يدفع الكتل الهوائية الشمالية بقوة نحو المناطق الأقل ضغطًا في الجنوب الشرقي، أي نحو الخليج العربي.

3. الفروقات الحرارية

اليابسة تسخن أسرع من البحر، ما يؤدي إلى توليد تيارات هوائية صاعدة فوق اليابسة تجذب الهواء البارد من البحر، وهو ما يزيد من حركة الرياح وقوتها.

خصائص رياح البوارح

تتميز هذه الرياح بعدد من الصفات التي تجعلها أكثر تأثيرًا من غيرها من الظواهر المناخية الصيفية:

  • السرعة: قد تتجاوز 50 كلم/ساعة في بعض المناطق.
  • الجفاف: تحمل هواءً جافًا يُخفض نسبة الرطوبة.
  • الحرارة: ترافقها درجات حرارة مرتفعة تتخطى 45 درجة مئوية.
  • الغبار: تثير كميات هائلة من الرمال الدقيقة التي تعيق الرؤية.
  • الاستمرارية: تستمر لأيام وربما لأسابيع متواصلة دون انقطاع.

أنواع رياح البوارح

يمكن تقسيم موسم البوارح إلى مرحلتين أساسيتين:

1. البوارح الصغرى

  • تظهر في أواخر مايو وبداية يونيو.
  • تكون أقل حدة، وأشبه بتمهيد للدخول في حرارة الصيف.
  • تمتاز بتذبذب في قوتها حسب تغيرات الضغط.

2. البوارح الكبرى

  • تبدأ من منتصف يونيو وتستمر حتى نهاية يوليو.
  • تكون أشد تأثيرًا وغبارًا.
  • تُعد السبب الرئيسي في العواصف الترابية الحادة التي تغطي مدنًا كاملة.

تأثيرات رياح البوارح

أولاً: على المناخ

  • تؤدي إلى تقلبات جوية عنيفة.
  • تُخفض درجة الحرارة بشكل طفيف نهارًا بسبب تحريك الهواء، لكنها تعيد ارتفاعها سريعًا.
  • تقلل من نسبة الرطوبة، ما يضاعف من الإحساس بحرارة الطقس.

ثانيًا: على الصحة

  • تتسبب في تهيج الجهاز التنفسي.
  • تزيد من معدل الإصابة بالحساسية والربو.
  • تؤثر على العيون والجلد بسبب الجفاف والغبار العالق.

ثالثًا: على الحياة اليومية والنقل

  • تتسبب في تدني الرؤية الأفقية، ما يؤثر سلبًا على حركة المرور.
  • تعطّل الملاحة الجوية، وتؤخر الرحلات في المطارات.
  • تؤثر على الأعمال الخارجية مثل البناء والمشاريع الميدانية.

كيف نستعد لموسم البوارح؟

الاستعداد لهذه الظاهرة المناخية لا يقل أهمية عن الاستعداد للحرارة أو الأمطار. وإليك أهم النصائح:

  • الابتعاد عن الأماكن المفتوحة وقت الذروة.
  • إغلاق النوافذ والأبواب بإحكام.
  • استخدام الكمامات والنظارات الواقية.
  • صيانة فلاتر أجهزة التكييف.
  • متابعة نشرات الطقس الرسمية وتحديثات الخبراء مثل خالد الزعاق.
  • تثبيت الأجسام الخفيفة التي قد تطير على الأسطح.

هل تتغير رياح البوارح كل عام؟

نعم، تُظهر المراقبة السنوية أن رياح البوارح قد تختلف من عام لآخر في:

  • توقيت بدايتها: كما لاحظنا في 2025، حيث بدأت مبكرًا في منتصف مايو.
  • شدة الرياح: قد تكون أشد أو أخف حسب التوزيع الحراري.
  • المدة: بعض السنوات شهدت موسمًا قصيرًا، بينما امتد في سنوات أخرى لثمانية أسابيع.

يعود ذلك كله إلى تغيرات المناخ العالمية، وارتفاع درجات الحرارة على مستوى الكوكب، وهو ما يستدعي مزيدًا من الأبحاث العلمية.

رياح البوارح في التراث والثقافة

لطالما ارتبطت هذه الرياح بالثقافة الشعبية في الخليج، ووردت في الأمثال والقصص، حيث كان أهل البادية يستخدمون علامات ظهورها لتمييز بداية القيظ الحقيقي، ويخططون لحياتهم بناءً على شدتها ومدتها.

ويُقال في أحد الأمثال الخليجية:

“إذا طلع البارح، توارت الشموس خلف الغبار”، كناية عن كثافة الغبار الذي يحجب الشمس كليًا.

متابعة خالد الزعاق.. نافذتك المبسطة لفهم موسم البوارح

يُعد الدكتور خالد الزعاق من أبرز المهتمين بهذه الظاهرة، ويحرص دائمًا على تقديم تحديثات يومية حول موعد بداية ونهاية البوارح، شدتها، وتوقعاتها المستقبلية، عبر حساباته الرسمية في تويتر وسناب شات وإنستغرام.

ويُقدّر له تبسيطه للمعلومة بأسلوب لا يخلو من الطرافة، مما جعله وجهًا مألوفًا لجميع فئات المجتمع.

الختام: البوارح ليست مجرد رياح

رياح البوارح ليست مجرد حدث مناخي عابر، بل هي موسم يحمل بصمته في تفاصيل الحياة اليومية لسكان الخليج العربي. فبينما تثير الغبار وتُغلق الأجواء، تفتح بابًا لفهم أدق للتغيرات المناخية، وتُحفز الناس على التفاعل الواعي مع البيئة.

في زمن تتسارع فيه التغيرات البيئية، تظل المعرفة المناخية من أهم أدوات الحماية، وموسم البوارح نموذج حي على أن الوعي بالطقس قد يصنع فارقًا كبيرًا في الصحة والسلامة والاستعداد الشخصي والمجتمعي.

هل سبق لك أن عايشت موجة قوية من رياح البوارح؟ كيف تعاملت معها؟ شاركنا تجربتك وأخبرنا برأيك حول مدى أهمية الوعي المناخي في حياتنا اليومية.

أيمن سعيد

محرر علمي يتمتع بمهارات تحرير قوية واهتمام بالعلوم والتكنولوجيا، قادر على شرح المفاهيم العلمية المعقدة بطريقة سهلة الفهم، يجيد كتابة المقالات العلمية والتقارير البحثية، لديه خبرة في تحرير محتوى علمي متنوع، يتابع أحدث الاكتشافات والتطورات العلمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !