سبب وفاة لونيس حميطوش الحقيقي.. من الرعي إلى الريادة الصناعية والخيرية

في صباح التاسع عشر من أبريل لعام 2025، خيّم الحزن على الشارع الجزائري بفقدان أحد أعمدة الاقتصاد الوطني وأحد أبرز رموز العطاء الإنساني، الحاج لونيس حميطوش، مؤسس شركة “صومام” الرائدة في مجال الصناعات الغذائية. برحيله، خسر الجزائريون رجلًا لم يكن مجرد رجل أعمال ناجح، بل إنسانًا جسّد قيم الكرم والمسؤولية الاجتماعية في أسمى صورها.

لم يكن نبأ وفاة لونيس حميطوش مجرد خبر عابر في نشرة إخبارية، بل كان لحظة وقوف وتأمل من كافة أطياف المجتمع الجزائري، لما يمثّله الرجل من قيمة إنسانية، وكونه أحد النماذج التي صنعت الفارق في حياة الملايين، من خلال المنتجات الغذائية التي وصلت كل بيت، والمبادرات الخيرية التي لامست كل قلب.

هو الرجل الذي لم يأتِ من النخبة، ولم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل بدأ حياته كراعٍ في أعالي بجاية، وسائق شاحنة في العاصمة، قبل أن يؤسس إمبراطورية صناعية أصبحت من رموز الاقتصاد الوطني الجزائري، ومصدر إلهام لكل شاب طموح.

ورغم كل ما حققه من إنجازات اقتصادية، فإنّ ما جعل اسم حميطوش خالدًا في ذاكرة الجزائريين لم يكن فقط منتوجاته الرائجة، بل عطاؤه غير المشروط في أصعب الأوقات، وعلى رأسها جائحة كورونا، حيث لبّى نداء الوطن بتمويل محطات الأوكسجين وإنقاذ أرواح.

فمن هو لونيس حميطوش؟ وما تفاصيل وفاته؟ وكيف تحوّل من شاب بسيط إلى رجل أعمال وإنسانية لا تُنسى؟ إليك القصة الكاملة التي تسرد رحلة صعوده، وسر محبة الملايين له، واللحظات الأخيرة في حياته.

من هو لونيس حميطوش ويكيبيديا؟

وُلد لونيس حميطوش سنة 1946 في منطقة أقبو بولاية بجاية، إحدى ولايات منطقة القبائل في الجزائر. نشأ في كنف عائلة فلاحية متواضعة، وعاش طفولته في بيئة تعتمد على الكد والعمل الشاق، وهو ما صقل لديه مبكرًا حب العمل والاجتهاد.

بدأ حياته كراعي أغنام، ثم انتقل في شبابه إلى العاصمة الجزائرية، وعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الشمال والجنوب، خاصة بين العاصمة وتمنراست. وبفضل إصراره وحرصه على التطوير، بدأ في توسيع نشاطه اللوجستي، وامتلك لاحقًا أسطولًا من الشاحنات.

هذا الانتقال من هامش الحياة إلى مركزها لم يكن مصادفة، بل نتيجة لذكاء تجاري فطري، وقدرة على رؤية الفرص في قلب التحديات. وسرعان ما تحوّل من ناقل بضائع إلى مستثمر صناعي، كانت بدايته فيه عام 1993.

تأسيس “صومام”.. بداية المجد الصناعي

في بداية التسعينيات، وسط ظروف اقتصادية وأمنية صعبة مرت بها الجزائر، قرر حميطوش أن يخوض غمار الإنتاج الغذائي، فأسّس شركة “صومام” المتخصصة في منتجات الألبان.

كانت البداية بسيطة، لكنه اعتمد على جودة المنتج كمفتاح للانتشار، ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت صومام واحدة من أشهر العلامات التجارية في الجزائر، معروفة لدى الكبار والصغار بمنتجات مثل الزبادي، الحليب، والأجبان.

تميزت “صومام” بتوظيف أحدث تقنيات التصنيع الأوروبية، واتباع معايير صارمة للجودة، ما منحها تفوقًا على منافسيها، وجعل منتجاتها تغزو السوق المحلية وتبدأ في الدخول إلى الأسواق الدولية، خصوصًا فرنسا وبعض الدول الأفريقية.

رجل الاقتصاد والإنسانية.. حين يتجاوز المال قيمته

لم يكن لونيس حميطوش رجل أعمال تقليديًا يكتفي بتحقيق الأرباح، بل ربط نجاحه الشخصي بنجاح مجتمعه. وكان يردد دومًا:

“الشعب الجزائري هو من جعلني غنيًا بشرائه لمنتجات صومام، وأنا مدين له بكل ما أملك”.

هذه القناعة تجسدت في أفعال، أبرزها خلال أزمة جائحة كورونا، حيث قام بتمويل 20 محطة لإنتاج الأوكسجين الطبي، وزّعها على مستشفيات في ولايات مختلفة دون أي تمييز، وهو ما ساعد في إنقاذ حياة آلاف المرضى في وقت كانت البلاد تعاني من نقص حاد في هذا العنصر الحيوي.

قصص من عطاء حميطوش.. الإنسان قبل رجل الأعمال

حكايات كرم حميطوش ليست مجرد أرقام، بل شواهد حيّة. فقد تبرع بـ55000 يورو لعلاج شاب من منطقته (أقبو) في الخارج، وكان دائم المساهمة في تكاليف علاج المرضى، تزويج الفتيات اليتيمات، بناء المدارس، وترميم المستشفيات في القرى والمناطق النائية.

كان يرفض تسليط الضوء على هذه الأفعال، ويقوم بها بعيدًا عن الإعلام. لكن المستفيدين من عطائه كثر، وتحدثوا عنه بعد وفاته بشغف وحزن وامتنان.

سبب وفاة لونيس حميطوش الحقيقي.. المرض الذي أنهى مسيرة العطاء

في الأشهر الأخيرة من حياته، تدهورت صحة الحاج لونيس حميطوش نتيجة مرض عضال في الرئة، أدخله في سلسلة من المتابعات الطبية بين الجزائر وفرنسا، حيث خضع لفحوصات دقيقة وعلاج مكثف.

لكن رغم العلاج، لم يستطع جسده مقاومة المرض، وأُعلن عن وفاته في 19 أبريل 2025، عن عمر ناهز 79 عامًا، في أحد مستشفيات العاصمة الجزائرية.

ما ميّز رحيله هو الإجماع الشعبي على الحزن، حيث نعت مؤسسات الدولة، رجال السياسة، الإعلام، الفن، والمواطنون البسطاء هذا الرجل الذي لم تغره الأضواء، بل ظل وفيًا لبساطته ولشعبه حتى آخر لحظة.

كيف ودّعت الجزائر “رجل الأوكسجين”؟

بمجرد إعلان نبأ الوفاة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل التعزية والدعاء، وبدأ الجميع يستعيد مشاهد مبادراته الخيرية، ولقاءاته الإعلامية البسيطة التي كان يظهر فيها بتواضع رغم ما يملكه من ثروة.

نعاه رواد الاقتصاد بلقب “رجل النهضة الصناعية”، بينما أطلق عليه العامة اسم “الحاج صومام” و**”رجل الأوكسجين”**، في إشارة إلى مواقفه البطولية خلال أزمة كورونا.

وقد تم تشييع جنازته في مسقط رأسه “أقبو” وسط حضور شعبي كبير، حيث حمله الناس على الأكتاف، مرددين دعوات الرحمة والاعتراف بالجميل.

إرثه الصناعي والإنساني.. ما الذي تركه خلفه؟

اليوم، وبعد وفاته، تُعد شركة “صومام” إحدى أنجح شركات الصناعات الغذائية في الجزائر، ويعمل بها آلاف الموظفين، وتنتج مئات الأطنان من المواد يوميًا، مع خطط للتوسع في دول أفريقية.

لكن إرثه الحقيقي لا يُقاس بالأرباح، بل بما زرعه من قِيم التواضع والكرم والمسؤولية المجتمعية، والتي باتت تُدرّس في الجزائر كمثال لرجل أعمال صنع الفارق.

لماذا سيظل لونيس حميطوش حاضرًا في الذاكرة الجزائرية؟

لأنه جسّد بفعل لا بشعار، أن النجاح لا يكون مكتملًا إلا إذا ترافق مع العطاء، وأن الثروة الحقيقية هي محبة الناس ودعواتهم، لا حجم الحسابات البنكية.

سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الجزائر، ليس فقط كصاحب علامة تجارية عملاقة، بل كواحد من الرجال القلائل الذين نذروا أنفسهم لشعبهم، وظلوا أمناء على وعودهم حتى آخر نفس.

خاتمة: رجل من تراب الجزائر، خلدته القلوب قبل التاريخ

قد يموت الإنسان، لكن الأثر لا يموت. هذا ما ينطبق على لونيس حميطوش، الذي لم يكن مجرد رجل أعمال، بل قدوة للجيل القادم في كيف يمكن تحقيق النجاح دون أن نفقد إنسانيتنا.

علّمنا أن العطاء لا يحتاج كاميرات، وأن حب الوطن لا يُشترى، بل يُترجم بالأفعال. رحل الحاج لونيس، لكن سيرته ستبقى منارة للأمل والإلهام لكل جزائري وعربي يسعى لصناعة فرق حقيقي في حياة الآخرين.

يوسف صلاح

كاتب شاب وطموح، يتميز بخياله الواسع وأفكاره المبتكرة. يكتب في الكثير من المجالات، ويسعى إلى إلهام الجيل الجديد. يتميز بأسلوبه الحماسي والملهم الذي يشجع القارئ على التفكير خارج الصندوق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !