من هي غادة الشعراني التي هاجمت محافظ السويداء: غضب شعبي وسجال سياسي

ليست كلّ النساء في سوريا نسخًا مكررة من الصمت. هناك من قرّرن أن يكنّ جسرًا بين الفكر والواقع، بين الشعر والسياسة، بين الهندسة والإنسان. واحدة من هؤلاء هي غادة رسلان الشعراني، التي لا يمكن تصنيفها ضمن إطار واحد: هي المهندسة، الشاعرة، الناقدة، والناشطة السياسية الجريئة.

ابنة محافظة السويداء التي خرجت من تفاصيل الهندسة الدقيقة إلى فضاء الشعر المتوتر بالحقيقة، ثم إلى منبر السياسة المشتعل بالوجع السوري. في زمن تطغى فيه المجاملات على الجرأة، اختارت غادة أن تكون صوتًا حرًا يزعج من تعوّدوا على الطاعة، ويحرّك الضمير العام في وقت بات فيه الصمت مهربًا.

في هذا المقال، نسلّط الضوء على السيرة المتعددة الأبعاد لغادة الشعراني: من نشأتها الأكاديمية، إلى قصائدها الحداثية، ثم مواقفها السياسية الصادمة، حتى أحدث ظهور إعلامي لها وهي تواجه محافظًا بصرخة وطنية هزّت الشارع.

من هي غادة الشعراني  ويكيبيديا السيرة الذاتية: من السويداء إلى جسور دمشق

ولدت غادة رسلان الشعراني في محافظة السويداء جنوب سوريا، وهي مدينة مشهورة بتاريخها الثقافي والاجتماعي المتمايز، وتقاليدها المحافظة والمتمردة في آنٍ معًا. تربّت غادة في أسرة تؤمن بالعلم والحرية، فاختارت طريقًا علميًا مغايرًا للتوقعات التقليدية، حيث التحقت بـ كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق.

اختارت التخصص في تصميم الجسور، وهو ميدان دقيق ومعقد يتطلب حسًا هندسيًا عاليًا، وقدرة على الرؤية والتحليل والتركيب. جسور غادة لم تكن فقط من إسمنت وحديد، بل كانت جسورًا معنوية، تمهّد بها طريقًا نحو الفن والفكر والحرية.

المسيرة المهنية: امرأة في معطف الهندسة الثقيلة

رغم ندرة وجود النساء في مجال تصميم الجسور، خاصة في بيئة سوريا المتأثرة بالصراعات والتحديات التنموية، استطاعت غادة الشعراني أن تثبت نفسها كمحترفة في الميدان الهندسي، إذ عملت في عدة مشاريع كبيرة ضمن العاصمة دمشق، وارتبط اسمها بنجاح عدد من البنى التحتية الهامة.

تميزت غادة بالانضباط والدقة، وهما سمتان انعكستا لاحقًا على أسلوبها في النقد الأدبي والسياسي. فكما تهتم في رسم خرائط التربة والأعمدة، اهتمت لاحقًا بتحليل تركيبة النصوص والسلطة، وهو ما جعلها واحدة من الأصوات القليلة التي تجمع بين الصرامة العلمية والحدس الشعري.

موهبة شعرية متدفقة: الحداثة لغة والسؤال جوهر

من عالم الأرقام والخطط الهندسية، تسللت غادة إلى عالم الشعر، لا كهاوية عابرة، بل كصوت حداثي متمرّس. قصائدها نُشرت في مجلات وصحف عربية مرموقة مثل:

  • القدس العربي
  • المدى
  • الضفة الثالثة
  • النهار العربي

تستخدم غادة في قصائدها لغة مكثفة، مشبعة بالرموز والتشابيه، تقارب قضايا مثل:

  • هوية المرأة
  • الذاكرة الجمعية
  • الحرب والشتات
  • الوجود واللايقين

من أبرز قصائدها:

  • “حبة رمل”: قصيدة تأملية تتناول فقدان التفاصيل في زمن السرعة والتشظي.
  • “شارع كلما فرغ امتلأ بأطيافها”: نص يحمل طابعًا صوفيًا، يمزج الحنين بالحضور الغائب.

ناقدة لا تجامل: الأدب من زاوية فلسفية

لم تكتف غادة بالشعر، بل توجهت إلى النقد الأدبي، فكتبت مقالات وتحليلات تميزت بـ:

  • قراءة فلسفية للنصوص.
  • الابتعاد عن المجاملة التقليدية.
  • كشف السياقات السياسية والاجتماعية للأعمال الأدبية.
  • طرح أسئلة جريئة دون التورط في تعالي ثقافي.

وقد شملت كتاباتها تحليلات لكتّاب عرب وسوريين معاصرين، وساهمت بفاعلية في الندوات الثقافية ضمن محافظة السويداء ودمشق، حيث كانت دائمًا صاحبة رأي مستقل وصوت مغاير.

مواقف سياسية صادمة: من قصر الشعب إلى صدارة النقاش العام

لم تكن غادة الشعراني شخصية أكاديمية وأدبية فحسب، بل دخلت إلى الساحة السياسية من أوسع أبوابها، حين قدمت مداخلة أمام الرئيس السوري أحمد الشرع خلال لقاء رسمي في قصر الشعب.

في هذا اللقاء، دعت غادة إلى:

  • تغيير سياسي حقيقي.
  • إصلاحات دستورية عميقة.
  • الاستماع لمطالب الناس دون قمع.

كان خطابها صريحًا، خاليًا من التلميحات، وهو ما صدم الحضور، وأثار تفاعلاً واسعًا على المستويين الرسمي والشعبي.

شهادة ضد التعذيب: انتهاكات موثقة وصوت صريح

في أبريل 2025، كانت غادة الشعراني من أوائل الشخصيات المدنية التي أدلت بشهادتها حول تعذيب أكثر من 20 شخصًا من أبناء السويداء على حاجز تابع لسلطة دمشق في مدينة حمص، أثناء توجههم إلى الرقة.

وفق شهادتها:

  • تعرض المعتقلون لإهانات طائفية وجسدية.
  • النساء كنّ حوامل، بعضهن في حالة ولادة، داخل الزنازين.
  • تم إخفاء آثار التعذيب، ومنع بعض الضحايا من الحضور للقاء الرسمي لاحقًا.

الاجتماع مع “محافظ دمشق”، الذي ضم معتقلين سابقين، شهد مواجهة مباشرة بين الشعراني والمسؤولين، حيث حمّلت الدولة مسؤولية ما جرى، مطالبةً بتدخل دولي ومحاكمة المتورطين.

فيديو المواجهة مع المحافظ: صوت غضب أم تطاول سياسي؟

أثار مقطع فيديو نُشر بتاريخ 8 أبريل 2025 لغادة الشعراني وهي تهاجم محافظ السويداء مصطفى بكور عاصفة من التفاعل.

في الفيديو، خاطبته بغضب، واصفة تصرفاته بـ”غير الإنسانية”، واتهمته بالتستر على الأجهزة الأمنية.

ردود الفعل:

  • البعض اعتبرها بطلة مدنية تعبّر عن مظلومية أهل السويداء.
  • آخرون رأوا أن أسلوبها كان غير ملائم في مخاطبة مسؤول رسمي.
  • وسط الجدل، انقسم الرأي العام بين مؤيد لجرأتها، وناقد لطريقة تعبيرها، لكن الجميع اتفق على أنها أثارت ملفًا مسكوتًا عنه.

غادة الشعراني: ما بين الصمت والصرخة

إن ما يميز غادة الشعراني ليس فقط تميزها في الهندسة والشعر والنقد والسياسة، بل قدرتها على:

  • الربط بين الأدب والواقع.
  • استخدام الجرأة كمحرّك للتغيير.
  • قول ما لا يُقال، بلغة لا تُخاف.

هي نموذج للمرأة السورية الحديثة: تتقن لغات التقنية والجمال والمقاومة، وتؤمن أن الكلمة الحقيقية أقوى من الرصاص، وأن الخوف لا يليق بمن تصنع الجسور.

فقرة ختامية: الشعراني ليست مجرد سيرة… بل مشروع امرأة حرة
غادة الشعراني ليست اسمًا عابرًا في سجل الثقافة السورية. هي امرأة تصنع جدلًا لا ينتهي، بين المهندسين، الشعراء، السياسيين، والنشطاء.
في وطن يئنّ تحت وطأة الحرب والفساد، هي قررت أن تُحفر باسمها حفنة من الحرية والكرامة.

وإذا كانت قصائدها تلامس الروح، فإن مواقفها تلامس الجرح السوري العميق، وتذكّرنا بأن التغيير لا يبدأ بالقرارات السياسية فقط، بل بكلمة حرة تقال في وجه سلطة صمّاء.

أيمن سعيد

محرر علمي يتمتع بمهارات تحرير قوية واهتمام بالعلوم والتكنولوجيا، قادر على شرح المفاهيم العلمية المعقدة بطريقة سهلة الفهم، يجيد كتابة المقالات العلمية والتقارير البحثية، لديه خبرة في تحرير محتوى علمي متنوع، يتابع أحدث الاكتشافات والتطورات العلمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !