الاستسقاء بالأنواء: بين معتقدات الجاهلية وتصحيح الإسلام

في العصور الجاهلية، انتشرت العديد من المعتقدات الباطلة التي قامت على الجهل والتفسيرات الخاطئة للطبيعة، ومن بين هذه الاعتقادات الاستسقاء بالأنواء، أي طلب نزول المطر عبر النجوم. كان العرب قبل الإسلام يعتقدون أن الأمطار تتساقط بسبب حركة النجوم والكواكب في السماء، متجاهلين أن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف الوحيد في الكون.

لكن الإسلام جاء ليهدم هذه المعتقدات الخاطئة، ويعيد تصحيح المفاهيم، مؤكدًا أن نزول المطر بيد الله وحده، وأن أي اعتقاد بأن النجوم أو غيرها من الظواهر الكونية تتحكم في المطر هو شرك بالله. فما هو الاستسقاء بالأنواء؟ ولماذا حرّمه الإسلام؟ وما هي العقيدة الصحيحة التي يجب أن يؤمن بها المسلم في هذا الجانب؟

ما هو الاستسقاء بالأنواء؟

تعريف الاستسقاء بالأنواء
الاستسقاء بالأنواء هو الاعتقاد بأن ظهور أو غياب نجم معين أو حركة كوكب معين هي التي تؤدي إلى نزول المطر. وكان العرب في الجاهلية ينظرون إلى النجوم على أنها علامات أو أسباب مباشرة لسقوط الأمطار.

أصل الاعتقاد بالأنواء في الجاهلية

كان العرب يراقبون حركة النجوم ويلاحظون أن المطر يتكرر في مواسم معينة، فظنوا أن هناك علاقة سببية بين ظهور بعض النجوم ونزول المطر، دون أن يدركوا أن الله هو من يُنزّل المطر متى شاء.

كيف كانوا يعتقدون في الأنواء؟

  • إذا هطلت الأمطار قالوا: “مطرنا بنوء كذا وكذا”، أي بسبب ظهور نجم معين.
  • كانوا يحددون الأوقات التي تسقط فيها الأمطار بناءً على مواقع النجوم في السماء.
  • يعتقدون أن النجوم لها قدرة ذاتية على التأثير في الطقس وإحداث المطر.
  • ولكن الإسلام جاء ليصحح هذه العقيدة ويؤكد أن هذه مجرد علامات خلقها الله، وليست أسبابًا مستقلة عن إرادته.

لماذا كان الاستسقاء بالنجوم حرامًا؟

1- لأنه شرك بالله

يُعتبر الاستسقاء بالأنواء من مظاهر الشرك بالله، لأن الإنسان عندما يعتقد أن النجوم والكواكب هي التي تجلب المطر فإنه ينسب الفعل إلى غير الله، وهذا يتنافى مع التوحيد.

يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح:

 “أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.” (رواه مسلم)

2- لأن المطر بيد الله وحده

يؤكد القرآن الكريم أن المطر ينزل بأمر الله وحده وليس بسبب أي كوكب أو نجم.

 قال الله تعالى:
“وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ” (الشورى: 28)

هذا يدل على أن نزول المطر رحمة من الله، ولا علاقة للنجوم به إطلاقًا.

3- التحذير النبوي من ربط المطر بالنجوم

عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: “صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب.” (رواه البخاري ومسلم)

هذا الحديث يفصل بين الإيمان والكفر

  •  الإيمان الصحيح: الاعتقاد أن المطر بفضل الله ورحمته.
  •  الكفر: الاعتقاد أن المطر بسبب حركة النجوم.

الفرق بين ربط المطر بالنجوم اعتقادًا وربطه توقيتًا

هنا يجب التمييز بين ربط المطر بالنجوم اعتقادًا وتأثيرًا (وهو شرك بالله)، وبين ربط المطر بالنجوم توقيتًا (وهو جائز).

  •  المسموح به: أن يقول الشخص:

“اعتدنا في هذا الموسم أن يكون هناك أمطار”، وهذا لا يُنسب للنجوم وإنما للعادة والمواسم الطبيعية.

  •  المحرم: أن يعتقد أن النجوم هي السبب الفعلي لنزول المطر، فهذا شرك أكبر.
  • الاستسقاء المشروع في الإسلام

بدلاً من الاستسقاء بالنجوم، شرع الإسلام الاستسقاء بالدعاء والصلاة، لأن المسلم يؤمن بأن الله وحده هو الذي يرسل الغيث.

دعاء الاستسقاء

عن النبي ﷺ أنه كان إذا تأخر المطر يرفع يديه إلى السماء ويدعو قائلاً:
“اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل.”

 صلاة الاستسقاء

هي صلاة ركعتين تُصلَّى عندما يكون هناك جفاف، ويجتمع المسلمون للدعاء طلبًا للغيث من الله.

عن النبي ﷺ قال: “إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم.” (رواه أبو داود)

خاتمة
الإسلام دين التوحيد، جاء ليقضي على كل المعتقدات الباطلة التي كانت تُمارس في الجاهلية، ومن بينها الاستسقاء بالأنواء. فالمطر لا يأتي من النجوم، ولا من حركة الكواكب، بل هو بيد الله وحده، يُنزّله متى شاء بحكمته ورحمته.

على المسلم أن يكون متيقنًا بأن الله هو المتصرف في الكون، وأن كل شيء يحدث بإرادته، فلا يجوز أن ينسب أي ظاهرة طبيعية إلى غير الله.

لذلك، فإن الاستسقاء بالنجوم محرّم شرعًا، ومن أراد المطر فعليه أن يلجأ إلى الله بالدعاء والصلاة، وليس إلى الكواكب والنجوم.

أحمد شلبي

محرر مُحنك مع خبرة واسعة في تحرير ومراجعه المحتوى الإخباري بأنواعه المختلفة، يمتلك مهارات ممتازة في القواعد والنحو والهجاء والتدقيق اللغوي، يتمتع بقدرة عالية على التحقق من صحة المعلومات والبيانات، لديه إلمام واسع بالأحداث الجارية والقضايا الراهنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !