فعاليات ورسائل اليوم العالمي للهلال الأحمر والصليب الأحمر 2025.. من نجران إلى غزة
في الثامن من مايو/ أيار من كل عام، يتوحّد العالم حول قيمة واحدة لا تعرف الحدود ولا الدين ولا العرق: الإنسانية. إنه اليوم العالمي للهلال الأحمر والصليب الأحمر، المناسبة التي تتجدد فيها الدعوة لرفع راية الحياد والرحمة فوق كل نزاع، والتأكيد على أن هناك من لا تزال أولويته الأولى هي إنقاذ الأرواح، لا الجغرافيا.
هذا اليوم لا يمر مرور الكرام، بل يحمل معه رسائل عميقة تتجاوز الاحتفالات الرمزية لتغوص في صلب العمل الإنساني الذي يقوده الملايين من المتطوعين في العالم، والذين يقدّمون أرواحهم وأوقاتهم وطاقاتهم من أجل من هم في أمس الحاجة.
ولعلّ ما شهدناه في السعودية ومصر وفلسطين هذا العام كان خير تعبير عن تنوع المبادرات وتعدد الوجوه التي يتجلى بها هذا اليوم، من فعاليات توعوية وموسيقية، إلى قصص تضحية في ميادين النزاع، جعلت من هذا اليوم عيدًا عالميًا حقيقيًا للرحمة.
فعاليات اليوم العالمي للهلال الأحمر والصليب الأحمر في نجران: توعية، تدريب، وتقنيات متطورة
في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في منطقة نجران، نظّم فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي فعاليات مميزة احتفاءً بهذه المناسبة العالمية. فقد تم تنظيم معرض توعوي وتثقيفي يهدف إلى تعريف الجمهور بالخدمات التي تقدمها الهيئة.
وشملت الفعاليات استعراضًا حيًا لأحدث مركبات الإسعاف، في مقدمتها سيارة “عبيّه” المتخصصة في الاستجابة السريعة، والتي صُمّمت لتكون جاهزة في أصعب البيئات والطرق. كما تم عرض أحدث الأجهزة الإسعافية والتقنيات الرقمية التي باتت جزءًا من عمل المسعفين اليوم.
وركز المعرض على التوعية المجتمعية، حيث أُقيمت محاضرات حول مخاطر التجمهر عند الحوادث وكيف يؤثر ذلك على سرعة استجابة سيارات الإسعاف. كما تم تقديم شرح عملي حول كيفية التعامل مع الحالات الطارئة، وشرح استخدام تطبيق “أسعفني”، والتعريف بالرقم 997 لخدمة الإسعاف.
سيارة عبيّه وتطبيق “أسعفني”: الابتكار في خدمة الحياة
من أبرز ما لفت انتباه الزوار في نجران كانت سيارة “عبيّه”، النموذج الفريد الذي يمثل ذروة التطور في خدمات الطوارئ، والتي جمعت بين القوة والسرعة والتجهيزات المتطورة. هذه المركبة، التي تم تطويرها خصيصًا للعمل في البيئات الصحراوية والوعرة، أصبحت رمزًا للهلال الأحمر السعودي في عام 2025.
إلى جانب ذلك، كان تطبيق “أسعفني” حاضرًا بقوة، وهو التطبيق الذي أطلقته الهيئة لتمكين المواطنين والمقيمين من طلب المساعدة الطارئة بضغطة زر، مع مشاركة الموقع بدقة وتقديم معلومات الحالة الصحية، مما يقلص زمن الاستجابة ويزيد من فاعلية التدخل الإسعافي.
كلمة مدير الهلال الأحمر في نجران: الإنسان أولاً
وفي كلمته خلال الفعالية، أكد الأستاذ محمد العسيري، مدير عام فرع الهيئة بمنطقة نجران، أن هذا اليوم يمثل فرصة لتسليط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه هيئة الهلال الأحمر في حماية الكرامة الإنسانية، وخدمة المتضررين في حالات النزاع والكوارث.
وأشار العسيري إلى أن الاحتفال بهذا اليوم يهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التعاون مع فرق الإسعاف، وإلى إبراز الجهود التي يقوم بها المتطوعون والمسعفون في مختلف مناطق المملكة.
الأوبرا المصرية تحتفي باليوم العالمي للهلال الأحمر
ومن جنوب السعودية إلى قلب القاهرة، حيث شهدت دار الأوبرا المصرية أمسية موسيقية فريدة، نُظمت احتفاءً باليوم العالمي للهلال الأحمر والصليب الأحمر، وجمعت بين الموسيقى والرسالة الإنسانية في لوحة فنية متكاملة.
حضر الفعالية عدد من الشخصيات العامة والدبلوماسيين، على رأسهم الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، والمستشارة هالة السعيد، إلى جانب وجوه ثقافية وإعلامية بارزة، في أمسية أثبتت أن الفنون قادرة على مد الجسور بين الشعوب مثلها مثل سيارات الإسعاف.
ساويرس يعزف من أجل غزة: الفن في خدمة الإنسانية
اللافت في تلك الأمسية كان مشاركة رجل الأعمال المصري سميح ساويرس، الذي عزف على آلة البيانو مصحوبًا بالأوركسترا الفيلهارموني بقيادة المايسترو أحمد الصعيدي والمايسترو العالمية لينا ليزا فوستندورفر، في لحظة نادرة جمعت بين المال والفن والرسالة الاجتماعية.
وقد أعلن ساويرس أن عائدات الحفل بالكامل ستذهب لصالح الهلال الأحمر المصري لدعم جهود الإغاثة الإنسانية في قطاع غزة، مؤكدًا أن الواجب الإنساني لا يجب أن يُعرقل بالسياسة أو الحدود، بل يتجاوزها كما تفعل الموسيقى.
القاهرة تحتضن اجتماع حوكمة إفريقيا: ريادة إنسانية
لم يقتصر نشاط الهلال الأحمر المصري على الفعاليات الثقافية، بل استضافت القاهرة اجتماع مجموعة الحوكمة الإفريقية للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بحضور ممثلين عن 20 جمعية وطنية إفريقية.
ناقش الاجتماع قضايا قيادية مؤسسية تتعلق بتعزيز القيادة النسائية، وتوسيع نطاق التطوع الإقليمي، وتحسين فعالية وكفاءة الاستجابة الإنسانية في القارة.
وشدد الحاضرون على أهمية بناء قدرات محلية مستدامة يمكنها التعامل مع الكوارث دون الحاجة الدائمة للدعم الخارجي، في خطوة تؤكد أن التمكين المحلي هو حجر الزاوية في مستقبل العمل الإنساني.
الهلال الأحمر الفلسطيني: العمل في قلب الحرب
بعيدًا عن الاحتفالات، هناك ساحات أخرى لا تعرف الموسيقى، بل أزيز الطائرات وصفارات الإسعاف. في قطاع غزة، يعمل الهلال الأحمر الفلسطيني في ظروف هي الأقسى عالميًا.
قُتل منذ بداية الحرب الأخيرة أكثر من 30 متطوعًا وموظفًا من الهلال الأحمر، معظمهم أثناء تأدية مهامهم في إنقاذ الأرواح. فقد تحوّلت سيارات الإسعاف من رموز للسلام إلى أهداف مباشرة، في مشهد يعكس حجم المأساة التي يعيشها القطاع.
المتطوع أحمد.. سائق أجرة يتحول إلى بطل ميداني
أحد أبرز الوجوه الإنسانية في غزة هو “أحمد” (اسم مستعار)، متطوع في الهلال الأحمر، فقد شقيقه خلال القصف، لكنه لم يتوقف عن العمل. “الحرب لا تعطي وقتًا للحزن” كما قال، مضيفًا: “الواجب أقوى من الحزن”.
أحمد، الذي تدرب على الإسعافات الأولية قبل عام فقط، أصبح اليوم أحد أعمدة العمل الميداني في شمال القطاع، يعمل 24 ساعة متواصلة، ويقود سيارات الإسعاف في أزقة مهدّمة، ليصل إلى الجرحى رغم المخاطر الجسيمة.
لا يجوز الصمت.. استهداف الإغاثة خرق للقانون الإنساني
ما يجري في غزة، وفي أوكرانيا والسودان والكونغو، من استهداف ممنهج للعاملين في المجال الإنساني، يعد انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي الإنساني. فقد أعلنت الحركة الدولية أن 38 من كوادرها فقدوا حياتهم في 2024، ومن المتوقع أن يكون 2025 عامًا أكثر دموية إن لم يتوقف هذا النزيف.
وقال الأمين العام للاتحاد الدولي جاغان تشاباغين: “كل رصاصة تطلق على سيارة إسعاف هي رصاصة على روح القانون وعلى إنسانيتنا المشتركة”.
دعوة عاجلة للتحرك: الإنسانية ليست شعارًا
في هذا اليوم، لا تكفي الإضاءات الحمراء ولا النشيد الوطني ولا صور التوعية على الجدران. ما نحتاجه فعلًا هو تحرك حقيقي وفعّال لحماية العاملين في الإغاثة، وتقديم المعتدين إلى العدالة، وضمان احترام شعارات الصليب والهلال في كل مكان.
فمن يقصف مستشفى، أو يعترض سيارة إسعاف، لا يخرق القانون فقط، بل يدمّر فكرة العالم الذي نحلم به جميعًا: عالم آمن يمكن إنقاذ أطفاله وجرحاه دون إذن أو إذلال.
اليوم العالمي للهلال الأحمر والصليب الأحمر 2025.. من نجران إلى غزة
من معرض توعوي في نجران، إلى أمسية موسيقية في القاهرة، مرورًا بآهات الجرحى في غزة، يرتفع نداء واحد في هذا اليوم: الإنسانية أولًا.
الهلال الأحمر والصليب الأحمر لم يعودا مجرد منظمتين، بل رمزان لمعنى أسمى من الانتماء. من كان في الميدان، من كان خلف عجلة الإسعاف، من حمل حقيبة إسعافات أولية، من عزف موسيقى من أجل المصابين.. كلهم اليوم أبطال اليوم العالمي للهلال الأحمر والصليب الأحمر.