تفاصيل إعفاء وزير الصحة الليبي من منصبه بسبب أدوية عراقية.. من يتحمل المسؤولية؟

في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وصحية خطيرة، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة مساء أمس عن إعفاء وزير الصحة الليبي “رمضان أبو جناح” من مهامه رسميًا، بسبب مخالفات فنية وإدارية خطيرة تمثّلت في استيراد شحنة من أدوية علاج السرطان من العراق، خارج اختصاص الهيئة الرسمية المسؤولة عن مكافحة الأورام في البلاد.

القضية التي بدأت بمعلومة بسيطة عن توريد أدوية عراقية، تطوّرت سريعًا إلى فضيحة مدوية كشفت حجم التخبط والفوضى في ملف استيراد الأدوية، خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بعقاقير تعالج أمراضًا قاتلة مثل السرطان.

إعفاء وزير الصحة الليبي من منصبه.. البداية من الدبيبة
مساء يوم الثلاثاء، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بيانًا عاجلًا أعلن فيه عن إعفاء وزير الصحة “رمضان أبو جناح” من منصبه، في خطوة فُسرت بأنها تأكيد على توجه الحكومة لمكافحة الفساد داخل القطاع الصحي.

جاءت هذه الخطوة عقب مخالفات واضحة في عملية استيراد شحنة أدوية لعلاج السرطان من العراق، دون الرجوع إلى الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، وهي الجهة الرسمية الوحيدة المخوّلة بالموافقة على نوعية الأدوية وأماكن استيرادها وتوزيعها داخل ليبيا.

شحنة الأدوية العراقية.. القشة التي قصمت ظهر الوزارة

القصة بدأت بإعلان من وزارة الصحة العراقية تفيد فيه بتصدير شحنة من أدوية علاج السرطان المصنعة محليًا إلى ليبيا. وسرعان ما انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبًا بموجة غضب وشكوك في جودة تلك الأدوية، ما دفع الهيئة الوطنية الليبية لمكافحة السرطان إلى إصدار بيان رسمي نفت فيه تمامًا أي صلة لها بهذا الاستيراد.

الهيئة أكدت في بيانها أن:

“جميع مشتريات الهيئة من الأدوية والعلاجات تتم من مصادر أوروبية أو أمريكية معتمدة، لضمان أعلى درجات الجودة والسلامة، وأن أي عملية توريد لا تتم من خلالها تُعتبر غير قانونية.”

بعبارة أخرى، فإن توريد الشحنة من العراق تم خارج الأطر الرسمية، ما يُعد مخالفة جسيمة للقوانين الصحية المعمول بها في ليبيا.

توريد خارج العطاء العام.. من يتحمّل المسؤولية؟

كشفت مصادر مطلعة أن عملية استيراد الأدوية العراقية تمت خارج إطار العطاء العام الرسمي المعتمد في ليبيا، ما أثار تساؤلات كبيرة حول:

  • من أصدر قرار الاستيراد؟
  • هل تم اختبار جودة الأدوية؟
  • هل وُجدت نية للربح أو التلاعب؟

وأوضحت وزارة الصحة، في تبرير لاحق، أن الشحنة تمت الموافقة عليها من قبل هيئة الرقابة الإدارية، وتم تنفيذها تحت المراقبة المشددة، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي والإعلامي.

لكن هذا التبرير لم يكن كافيًا لإغلاق الملف، بل تحوّل إلى مفتاح لكشف سلسلة من التجاوزات الإدارية والتنفيذية.

أسماء مسؤولين أُوقفوا على ذمة التحقيق

لم يتوقف الأمر عند إعفاء الوزير فقط، بل أعلنت حكومة الوحدة الوطنية عن إيقاف عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الصحة مؤقتًا عن العمل، لحين انتهاء التحقيقات، وهم:

  • توفيق إدريس – وكيل وزارة الصحة لشؤون المراكز الطبية
  • نادية أبوصبع – مديرة إدارة الصيدلة
  • ناهد المكي – رئيسة قسم التسجيل بإدارة الصيدلة
  • أكرم الفزاني – رئيس لجنة العطاء المحلي
  • فاطمة الوافي – مديرة إدارة التمريض

التحقيق مع هذه الأسماء جاء بناءً على اتهامات بارتكاب مخالفات إدارية ومهنية تتعلق بقبول الأدوية دون مرورها على القنوات الرسمية، مما يفتح الباب أمام احتمالية وجود فساد ممنهج داخل الوزارة.

لماذا أُثيرت الشكوك حول الأدوية العراقية؟

يُعرف أن الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان في ليبيا تتبع نظامًا صارمًا في اختيار شركات الأدوية، حيث تعتمد على مصدرين فقط: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لضمان جودة وفعالية العلاج، خصوصًا وأن مرض السرطان يتطلب أدوية دقيقة ومعقدة وذات معايير عالية.

أما الشحنة العراقية، فهي من إنتاج مصانع محلية حديثة نسبيًا في العراق، ولا تحمل شهادات مطابقة للمواصفات الأوروبية أو الأمريكية، ما جعلها محط شك في الأوساط الطبية والرقابية.

هل هناك فساد وراء الكواليس؟

المحللون لم يستبعدوا فرضية الفساد الإداري أو المالي، خاصة وأن:

  • العطاء لم يُعرض علنًا
  • الهيئة الرسمية لم تُستشر
  • القرار تم بسرعة لافتة
  • الأدوية وصلت قبل موافقة جهات التقييم

كل هذه النقاط تُشير إلى وجود نية مبيّتة لتجاوز القوانين، وربما تمرير صفقات غير معلنة عبر مكاتب محددة داخل الوزارة، ما يُعد في حده الأدنى إهمالًا إداريًا جسيمًا، وقد يصل حد التلاعب أو الاستفادة الشخصية.

تصريحات رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة

قال الدبيبة في كلمته:

“لا مكان لأي مسؤول يستهين بصحة المواطن، وكل من يخل بالقانون أو يخالف الإجراءات المعتمدة سيُحاسب مهما كان موقعه.”

وأضاف:

“قطاع الصحة يجب أن يكون محصنًا ضد الفساد، خاصة في ما يتعلق بالأمراض الخطيرة مثل السرطان، ولن نسمح باستغلال حاجة المرضى لأهداف تجارية أو سياسية.”

ردود فعل شعبية ساخطة

منذ لحظة إعلان الخبر، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا بالانتقادات، حيث كتب أحد المستخدمين:

“كيف يُجاز استيراد دواء بدون علم الهيئة المختصة؟!”

بينما قالت أخرى:

“سرطان وأدوية مشبوهة؟! هذا استخفاف بأرواح الناس”.

وأجمعت غالبية الأصوات على ضرورة فتح ملفات وزارة الصحة بالكامل، وإعادة هيكلة المنظومة الصحية في البلاد، بما يضمن الشفافية والمحاسبة والمهنية.

موقف وزارة الصحة العراقية

في الجانب الآخر، أوضحت وزارة الصحة العراقية أنها بالفعل صدّرت شحنة من الأدوية إلى ليبيا، لكنها أكدت أنها استوفت الموافقات اللازمة من الجانب الليبي. إلا أنها لم توضح طبيعة تلك الموافقات ولا الجهة الليبية التي أصدرتها، ما يزيد الغموض حول القضية.

ما التالي؟ خطوات منتظرة ومطالب بالإصلاح الشامل

الأنظار الآن تتجه إلى:

  • نتائج التحقيق مع الوزير والمسؤولين
  • موقف هيئة مكافحة الفساد الليبية
  • ردود أفعال المنظمات الصحية المحلية والدولية

ويُتوقع أن تؤدي هذه القضية إلى تحرك لإعادة هيكلة إدارة الأدوية والعطاءات، وفرض رقابة صارمة على عملية الاستيراد، خاصةً في ما يتعلق بالأدوية الحساسة كأدوية الأورام.

خاتمة: حين يتحول الدواء إلى خطر.. لا تسامح مع المقصّرين
قضية إعفاء وزير الصحة الليبي “رمضان أبو جناح” لم تأتِ من فراغ، بل كشفت عن عمق التحديات والاختلالات في القطاع الصحي الليبي، وهي دعوة صريحة لإصلاح جذري يُعيد الثقة في وزارة يُفترض أن تكون صمام أمان حياة الناس، لا مصدر قلقهم.

فصحة المواطن ليست بندًا يُتفاوض عليه، ولا سلعة تُمرر تحت الطاولة، بل هي أمانة وطنية وقيمة إنسانية عليا، يجب أن تبقى دائمًا فوق الاعتبارات السياسية والمصالح الشخصية.

أحمد شلبي

محرر مُحنك مع خبرة واسعة في تحرير ومراجعه المحتوى الإخباري بأنواعه المختلفة، يمتلك مهارات ممتازة في القواعد والنحو والهجاء والتدقيق اللغوي، يتمتع بقدرة عالية على التحقق من صحة المعلومات والبيانات، لديه إلمام واسع بالأحداث الجارية والقضايا الراهنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !