حقيقة خروج الطلاب الدروز من حرم الجامعات السورية.. أزمة أم إشاعة؟

في لحظة لم تكن عابرة، اهتزت مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا إثر تداول مقاطع مصوّرة تظهر عددًا من طلاب محافظة السويداء، وهم يغادرون السكن الجامعي في دمشق.

اللقطات، التي وثّقها شبان يحملون أمتعتهم الشخصية مغادرين مبنى المدينة الجامعية الواقعة على أوتوستراد المزة، أحدثت موجة واسعة من التساؤلات، امتزجت فيها العواطف بالغضب، والريبة بالتحليل.

ولأن المشهد جاء في سياق حساس اجتماعيًا وأمنيًا، حيث تتزامن حوادث المغادرة مع توترات شهدتها مناطق جرمانا، أشرفية صحنايا، ومحافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، فقد حمّل كثيرون المشهد معاني أكبر من مجرد مغادرة طلابية عادية.

فهل تعرّض الطلاب الدروز للطرد من السكن الجامعي؟ هل هناك سياسة ممنهجة وراء هذه المغادرة؟ أم أن ما حصل هو مجرد سوء فهم تم تضخيمه؟ وكيف تعاطت الجهات الرسمية مع هذه الضجة؟ أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عليها في هذا المقال الذي يعيد تفكيك القضية من مختلف الزوايا.

اللقطات المتداولة على مواقع التواصل.. هل أظهرت خروج الطلاب الدروز من حرم الجامعات السورية؟

أظهر الفيديو المصوّر، الذي انتشر أول مرة على صفحات فيسبوك ومجموعات تلغرام تعنى بأخبار السويداء، مجموعة من الشباب وهم يخرجون من مبنى المدينة الجامعية حاملين حقائبهم، وبعضهم يجرّ أمتعته على عجالة. كانت هناك تعليقات من خلف الكاميرا تقول “طلعونا برّا.. عم نرجع عالسويدا”.

تلقف المتابعون الفيديو على الفور باعتباره “عملية طرد جماعي” لطلاب دروز من سكان المدينة الجامعية بدمشق. ومن ثمّ، توالت المنشورات التي تحدثت عن استهداف واضح لشباب السويداء، في ظل الاحتقان الحاصل بسبب مشكلات طائفية وأمنية كانت قد تفجّرت مؤخرًا في بعض مناطق ريف دمشق.

البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، ملوّحًا بوجود تعليمات غير رسمية تطلب من أبناء طائفة دينية معيّنة مغادرة المدينة الجامعية، تحت ذرائع “الأمن والسلامة”، وهو ما أثار حالة من الغضب والقلق الشديدين لدى الأهالي في السويداء.

الطلاب الدروز في الجامعات السورية.. خلفية اجتماعية وسياسية

يشكل الطلاب الدروز نسبة كبيرة من سكان المدن الجامعية في دمشق، نظرًا لعدم وجود جامعات مركزية في محافظاتهم، خصوصًا السويداء. وكان لهم على مدى العقود الماضية حضور إيجابي وفعّال داخل الجامعات، حيث انخرطوا في الحياة الطلابية والنشاطات الثقافية والسياسية.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت توترًا متصاعدًا بين أبناء السويداء والسلطات السورية، نتيجة لمواقف بعض أهالي المنطقة من قضايا سياسية، لا سيما ما يتعلق بالخدمة العسكرية الإلزامية، والانخراط في الصراعات المحلية، إضافة إلى تنامي الخطاب الهوياتي في المحافظة.

وقد أدى ذلك أحيانًا إلى تصنيف طلاب السويداء ـ ولو بشكل غير رسمي ـ باعتبارهم “حساسين” أو “محسوبين على طرف سياسي معين”، ما يجعلهم أكثر عرضة للتأويل والشكوك، خصوصًا في بيئات مشحونة كالسكن الجامعي.

توترات سابقة في جرمانا وصحنايا والسويداء.. هل أثرت على الطلاب؟

تأتي الحادثة في أعقاب توترات أمنية شهدتها مناطق جرمانا وأشرفية صحنايا، وهي مناطق يقيم فيها عدد كبير من أبناء السويداء، خاصة الطلاب والعاملين في دمشق. وقبل أيام فقط من انتشار الفيديو، تداولت وسائل إعلام محلية أخبارًا عن شجارات ذات خلفيات طائفية في هذه المناطق.

هذه التوترات أفرزت بيئة من القلق بين الطلاب، خصوصًا القادمين من السويداء، والذين بدأوا يشعرون بأن وجودهم خارج محافظتهم قد أصبح محفوفًا بالمخاطر. وهو ما يفسر، بحسب بعض التحليلات، مغادرة الطلاب للسكن ليس نتيجة طرد قسري، بل كخطوة احترازية ذاتية.

رواية المدينة الجامعية: نفي رسمي وطمأنة

في مواجهة سيل الشائعات، خرج مدير المدينة الجامعية بدمشق، عمار الأيوبي، في تصريحات لوسائل الإعلام السورية، مؤكدًا بشكل قاطع أن ما جرى لا يعدو كونه مغادرة طوعية من قبل بعض الطلاب لأسبابهم الخاصة.

وأوضح الأيوبي أن المقطع المصور تم تصويره قبل عشرة أيام من تداوله، تحديدًا عقب حادثة “التسجيلات المسيئة” التي وقعت داخل أحد الأقسام، ما تسبب في انسحاب بعض الطلاب درءًا لأي توتر.

وشدد الأيوبي على أن المدينة الجامعية لم تشهد أي حالة طرد جماعي، وأن أبواب السكن ما زالت مفتوحة لجميع الطلاب، مؤكدًا أن أي طالب من السويداء مرحب به، وأن الأمن داخل السكن مضبوط وتحت السيطرة.

من يقف وراء تسويق الفيديو؟ تساؤلات مشروعة

بقدر ما كان الفيديو مثيرًا للعاطفة، بقدر ما طرح تساؤلات جادة حول الجهة التي سرّبت المقطع وسوّقته باعتباره “طردًا قسريًا”. هل كان الهدف تأجيج الرأي العام؟ أم أن هناك جهات خارجية أو داخلية تسعى لتوتير العلاقة بين المجتمع الدرزي والسلطة؟

لم يتم حتى الآن تحديد مصدر الفيديو بدقة، لكن اللافت أن من نشره استخدم عبارات مثيرة تلمّح إلى الاضطهاد، ما جعله ينتشر كالنار في الهشيم. وتحوّل من فيديو عابر إلى قضية رأي عام.

هل هناك استهداف لطائفة بعينها؟ رؤية تحليلية

السؤال الذي طُرح بقوة بعد انتشار الفيديو هو: هل ما حدث يُعد استهدافًا ممنهجًا للطائفة الدرزية؟.

العديد من المراقبين يرون أن لا دليل على وجود قرار سياسي أو إداري باستهداف هذه الطائفة. بل على العكس، هناك مؤشرات كثيرة على أن الأمر كان ناتجًا عن تراكمات نفسية واجتماعية أكثر من كونه فعلًا ممنهجًا.

في المقابل، لا يمكن تجاهل الشعور المتنامي لدى أبناء السويداء بأنهم غير مرغوب بهم في بعض مناطق الدولة، وهذا ما يتطلب جهدًا رسميًا جادًا لإعادة الثقة وطمأنة المجتمع المحلي.

دور الإعلام في تضخيم أو كشف الحقيقة؟

المفارقة في هذه الحادثة هي أن وسائل الإعلام السورية الرسمية لم تتعامل مع الفيديو بشكل فوري، مما أتاح لمواقع التواصل احتكار رواية الحدث، وبالتالي فرضت الرواية العاطفية والسياسية على الرواية الواقعية.

وهنا يبرز سؤال جوهري: هل أصبح الإعلام الرسمي عاجزًا عن مواكبة سرعة المعلومات؟ وهل يترك الفراغ لمنصات قد توجّه الرأي العام وفق أجندات معينة؟

ردود فعل الشارع والناشطين من أبناء السويداء

ردود الفعل في السويداء تراوحت بين القلق والرفض والغضب. كثير من الناشطين عبروا عن شعورهم بالخذلان من الدولة، مطالبين بتوضيحات رسمية، وضمانات تحمي أبناء المحافظة داخل الجامعات.

آخرون دعوا إلى عدم التهويل، مؤكدين أن ما حدث هو انعكاس لحالة التوتر العامة في البلاد، وليس استهدافًا متعمّدًا. وبرزت أيضًا دعوات لتغليب العقل على العاطفة، ولتعزيز الحوار بين الطلاب من مختلف المناطق.

هل تتكرر مثل هذه الحالات؟ مستقبل الطلاب الدروز في السكن الجامعي

رغم أن نفي المدينة الجامعية أعاد بعض الهدوء، إلا أن القضية كشفت عن هشاشة العلاقة بين الطلاب وبين الجهات المعنية، ما قد يؤدي إلى تكرار مثل هذه الحالات مستقبلاً، خاصة في حال استمرار التوتر الأمني والسياسي.

ولتفادي هذا السيناريو، لا بد من:

  • إطلاق مبادرات حوار طلابية تعزز الثقة.
  • توفير ضمانات أمنية رسمية للمقيمين من مختلف المناطق.
  • تفعيل دور الاتحادات الطلابية لتمثيل مخاوف جميع الفئات.

رؤية شاملة: ما الذي يجب فعله لطمأنة المجتمع؟

إن ما حصل هو ناقوس خطر يجب أن تستفيد منه الدولة والمجتمع، من خلال:

  • الاستجابة السريعة لأي إشاعة بمعلومات دقيقة.
  • الاستماع لصوت الأهالي والطلاب من السويداء وغيرهم.
  • تعزيز مفهوم المواطنة الجامعية بعيدًا عن الانتماءات الدينية والمناطقية.
  • تحييد السكن الجامعي عن أي صراعات اجتماعية أو أمنية.

خاتمة تحليلية: التعليم فوق كل الاعتبارات الطائفية
يبقى التعليم الجامعي في سوريا أحد أهم الأعمدة المتبقية للوحدة الوطنية، ومجرد الإشارة إلى تهديد هذا القطاع لأسباب طائفية أو مناطقية يعني أننا أمام منعطف خطير.

حادثة مغادرة طلاب من السويداء للسكن الجامعي في دمشق يجب أن لا تمر دون معالجة حقيقية، ليس من باب العقاب، بل من باب إعادة ترميم الثقة، وتعزيز التماسك الاجتماعي في بيئة أكاديمية ينبغي أن تكون فوق جميع الانتماءات.

محمد علي

صحفي تحقيقي بارع، يتميز بشغفه بكشف الحقائق وإيصالها للجمهور. يمتلك مهارات بحث وتقصي عالية، ويتبع المنهج العلمي في تحليله للأحداث. يتميز بأسلوبه الجريء والمؤثر الذي يدفع القارئ إلى التفكير والتأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !