تفاصيل قصة بيع أرض النصاريات في بريدة: من إرث تاريخي إلى صفقة عقارية ضخمة بقيمة 363 مليون ريال
لم يكن يوم المزاد على أرض النصاريات يومًا عاديًا في مدينة بريدة، بل كان لحظة فارقة مزجت الماضي بالحاضر، والإرث العائلي بالمستقبل الاستثماري.
قصة بيع هذه الأرض، التي تعود أصولها إلى عام 1270 هجري، ليست مجرد خبر عقاري، بل هي حكاية عن تطور السوق السعودي، ورؤية جديدة في التعامل مع الأصول التراثية.
البداية: من أرض زراعية إلى معلم بارز في بريدة
يعود أصل أرض النصاريات إلى الجد الأكبر لعائلة النصار، الذي ورث الأرض في عام 1270هـ، أي قبل أكثر من 176 سنة. في ذلك الزمن، كانت الأرض أشبه بواحة زراعية تُعرف بجودتها وخصوبتها، واعتمدت عليها العائلة مصدرًا للرزق والزراعة، فغُرست فيها الأشجار، وحُفرت الآبار، وازدهرت الحياة على أطرافها.
لم تكن الأرض مجرد رقعة ترابية، بل كانت رمزًا لعقود من الصبر والعمل والارتباط بالتاريخ، حتى باتت من المعالم المعروفة في منطقة بريدة، وتحولت مع الوقت إلى جزء من النسيج العمراني للمدينة.
الورثة واتخاذ القرار المصيري
مع مرور الأجيال، آلت الأرض إلى عدد من الورثة من أبناء عائلة النصّار، الذين حافظوا عليها وتمسكوا بها طيلة عقود. منذ عام 1407هـ، تولى أحد أفراد العائلة إدارة الأرض، واستمر النشاط الزراعي فيها، رغم التحديات الحديثة وتوسع الرقعة الحضرية في بريدة.
ومع ازدياد النمو العمراني وارتفاع قيمة الأراضي، بدأ الورثة ينظرون إلى الأرض من زاوية مختلفة: “هل من الأفضل أن تبقى كما هي؟ أم يتم تحويلها إلى فرصة اقتصادية ضخمة يستفيد منها الجميع؟”
في نهاية المطاف، اجتمع الورثة على قرار طرح الأرض للبيع، وهي الخطوة التي اعتبرها الكثيرون جريئة، ولكن محسوبة بعناية.
المزاد التاريخي: تنظيم احترافي وإقبال كبير
أقيم المزاد على أرض النصاريات بإشراف مباشر من مركز الإسناد والتصفية “إنفاذ”، وهو الجهة المختصة بتنظيم المزادات العقارية في المملكة، وبالتعاون مع شركة بدر الحبيب للمزادات، المعروفة باحترافيتها العالية.
شهد المزاد حضورًا لافتًا من كبار المستثمرين، وشركات التطوير العقاري، والمهتمين بالقطاع العقاري من مختلف مناطق المملكة، بل وحتى من خارجها. فالموقع الاستراتيجي للأرض، وسط مدينة بريدة، جعل منها هدفًا لا يُفوت في نظر العديد من رجال الأعمال.
سعر المتر والقيمة الإجمالية للصفقة
شهدت لحظات المزاد منافسة قوية على السعر، إلى أن استقر سعر المتر عند 280 ريالًا، وهو رقم يُعتبر عادلًا مقارنة بموقع الأرض وامتدادها.
بلغت القيمة الإجمالية للصفقة قرابة 363 مليون ريال سعودي، أي ما يعادل أكثر من 96 مليون دولار أمريكي، لتُعدّ واحدة من أضخم الصفقات العقارية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
هوية المشتري: من هو عبد الله الغماس؟
المشتري الذي ظفر بالأرض هو رجل الأعمال المعروف عبد الله الغماس، وهو أحد الأسماء البارزة في عالم الاستثمار العقاري، وصاحب سجل حافل بالصفقات الناجحة. وصف الغماس صفقة شراء أرض النصاريات بأنها “مباركة”، مؤكدًا أنها تمثل مزيجًا مثاليًا بين القيمة التاريخية والموقع الجغرافي الفريد.
كما عبّر عن نيته تطوير الأرض بطريقة تحافظ على بعض ملامحها الرمزية، في إشارة منه إلى احترام التاريخ دون إغفال الجدوى الاقتصادية.
ردود الأفعال: تفاعل شعبي ورسمي
ما إن انتشر خبر بيع أرض النصاريات حتى عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عنها. انقسمت الآراء ما بين فخر وحنين:
فريق يرى أن بيع الأرض كان قرارًا حكيمًا يحوّل الأصل التاريخي إلى مصدر ثروة وتنمية.
وفريق آخر عبّر عن الحنين والارتباط العاطفي بأرضٍ كانت شاهدًا على قرون من التاريخ، معتبرين أن الحفاظ على التراث له أولوية.
كما تلقى المزاد تغطية إعلامية واسعة، واعتبره بعض المحللين العقاريين مؤشرًا على تصاعد قيمة الأراضي في المدن الرئيسية بالسعودية، لاسيما مع المشاريع الكبرى التي تشهدها المملكة في إطار رؤية 2030.
ما الذي سيتغير؟ مستقبل الأرض بعد الصفقة
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يتم الإعلان عن المشروع الذي سيُقام على أرض النصاريات، ولكن التوقعات تشير إلى احتمالية تطوير مشروع سكني ضخم، أو مجمع تجاري حديث، نظرًا لموقع الأرض الممتاز وقربها من المرافق الحيوية.
يتوقع البعض أن تشمل الخطة مزيجًا من الوحدات السكنية والمساحات الخضراء، وربما يتم تخصيص جزء صغير منها لإقامة مَعلم رمزي يخلد اسم “النصاريات” وتاريخها الطويل.
دلالات اقتصادية: ماذا تقول لنا صفقة النصاريات؟
تعكس صفقة بيع النصاريات عددًا من المؤشرات المهمة:
- ثقة المستثمرين بالسوق العقاري في بريدة: حيث باتت المدينة محط اهتمام الكثير من المطورين العقاريين.
- التحول الذكي في استثمار الأصول: بيع أرض زراعية وتحويلها إلى مشروع اقتصادي يدرّ دخلاً.
- أهمية المزادات المنظمة: وجود جهة رسمية كـ”إنفاذ” أعطى للمزاد مصداقية وأمان قانوني وشجع المشاركة الواسعة.
- دور الأسرة في صنع القرار الاقتصادي: توحد الورثة وتوافقهم كان مفتاحًا لإتمام الصفقة بهذا النجاح.
كيف أثرت الصفقة على السوق العقاري؟
رغم أن أرض النصاريات حالة استثنائية، إلا أنها ألقت بظلالها على السوق العقاري في بريدة والمنطقة بشكل عام، حيث لوحظ:
- ارتفاع في الطلب على الأراضي المجاورة.
- زيادة عدد المزادات المعلنة على أراضٍ خام.
- دخول مستثمرين جدد للسوق المحلي بعد نجاح الصفقة.
هل ستتكرر قصة النصاريات في مناطق أخرى؟
نعم، ومن المرجح أن نشهد قصصًا مشابهة في مناطق عدة داخل المملكة، لا سيما مع تحركات وزارة العدل لرقمنة صكوك الأراضي، ومبادرات وزارة الإسكان لتحفيز العرض العقاري.
كما أن نماذج مثل النصاريات باتت تلهم العائلات الأخرى التي تمتلك أراضي كبيرة بالتحول من الحفاظ السلبي عليها إلى استثمارها بشكل فعال.
خاتمة: الأرض لا تموت… بل تُبعث من جديد
في النهاية، تروي قصة بيع أرض النصاريات في بريدة حكاية أكثر من مجرد صفقة بيع، إنها ملحمة بين الماضي والمستقبل، بين الوفاء لجذور الأرض، والرغبة في التقدم والازدهار.
لقد بيعت الأرض، لكن روحها ما زالت حاضرة، تعيش في ذاكرة من عرفها، وتنبض في رؤية من سيطورها.