ما سبب اعتقال الشيخ سعد البريك في 2017؟ ومن أي قبيلة؟
مع إعلان وفاة الداعية السعودي المعروف الشيخ سعد البريك، عادت التساؤلات إلى السطح حول محطة من أكثر المحطات غموضًا في حياته، وهي اعتقاله في فبراير 2017.
كان الحدث آنذاك مفاجئًا، إذ لم يصدر أي بيان رسمي يوضح ملابسات القضية أو التهم الموجهة إليه، الأمر الذي فتح الباب واسعًا أمام التفسيرات والتحليلات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
الاعتقال أثار صدمة في صفوف المتابعين والمحبين، خصوصًا أن البريك كان يعد من أكثر الدعاة تأثيرًا في السعودية والخليج خلال العقدين السابقين، وله متابعون بالملايين على منصة “إكس” (تويتر سابقًا).
التغريدة التي فجّرت القضية: #عصام_العويد_ليس_إرهابيًا
وفقًا لمصادر مقربة من الملف، فإن السبب المرجح وراء اعتقال الشيخ سعد البريك كان تغريدة نشرها دفاعًا عن الداعية عصام العويد، والذي كان قد اعتُقل بتهمة “جمع تبرعات تُشتبه في توجيهها لتنظيمات محظورة”.
في تغريدته المثيرة للجدل، كتب البريك:
“عصام العويد ليس إرهابيًا.. تصنيف المحتسبين دون دليل جناية فكرية وأخلاقية”.
هذه الجملة القصيرة كانت كفيلة بإدراجه ضمن الشخصيات محل الرقابة في حملة واسعة شنّتها السلطات السعودية على من اعتبرتهم “منابع الإرهاب غير المباشرة”، بمن فيهم من يتحدث في الشأن الديني خارج الأطر الرسمية أو يدعم جمع التبرعات بطرق غير نظامية.
حملة مكافحة التطرّف.. وسقوط رموز بارزة
جاء توقيف البريك في إطار حملة أكبر قادتها السلطات السعودية آنذاك، تحت شعار “الحد من الخطاب غير المنضبط”، وتضمنت:
- مراقبة الجمعيات الخيرية والتبرعات الخاصة.
- ضبط كل من يدعو لأفكار تتعارض مع توجهات المؤسسة الدينية الرسمية.
- ملاحقة بعض الدعاة الذين ينشرون فتاوى عبر وسائل التواصل خارج إطار الهيئة الشرعية المعتمدة.
- البريك، بحكم حضوره الشعبي وجرأته في الخطاب، كان في مقدمة الأسماء المثيرة للاهتمام بالنسبة للسلطات، مما دفعهم إلى توقيفه دون بيان رسمي، وهو ما زاد من غموض الموقف في الشارع السعودي.
صمت رسمي وتكتم إعلامي
لم تُنشر أي تفاصيل حول مكان احتجاز الشيخ سعد البريك أو ظروفه، ولم يُسمح لأسرته بالحديث لوسائل الإعلام. وبقيت الأخبار المتداولة محصورة في تكهنات غير مؤكدة، ما زاد من القلق حول وضعه الصحي والنفسي.
في الوقت ذاته، اختفى حسابه الرسمي على “تويتر” لفترة طويلة، ولم تصدر منه أي إشارات أو تعليقات، ما اعتبره البعض مؤشرًا على شدة الرقابة المفروضة عليه.
الإفراج الإنساني في 2023: لفتة من ولي العهد
في مشهد غير متوقع، تم الإفراج عن الشيخ سعد البريك في أبريل 2023، تزامنًا مع عيد الفطر المبارك، وذلك بلفتة وُصفت بأنها إنسانية من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ورغم الاحتفاء الكبير من محبيه ومتابعيه، إلا أن البريك نفسه التزم الصمت، وامتنع عن التعليق على ملابسات اعتقاله أو تفاصيل إطلاق سراحه، مكتفيًا بالظهور النادر في مناسبات اجتماعية ودينية.
وقد قوبلت هذه الخطوة بترحيب واسع في المجتمع السعودي، الذي رأى في عودة البريك فرصة لاستعادة أصوات دينية مؤثرة تسهم في التوازن الفكري والاجتماعي.
الشيخ سعد البريك من أي قبيلة؟
ينتمي الشيخ سعد البريك إلى قبيلة آل بريك، وهي من أشهر وأعرق القبائل العربية، وتمتد جذورها إلى جنوب الجزيرة العربية، وتحديدًا إلى منطقة شبوة التاريخية في محافظة حضرموت باليمن.
قبيلة آل بريك عُرفت عبر التاريخ بإمارتها المستقلة التي اتخذت من مدينة الشحر عاصمة لها في القرنين الثامن والتاسع عشر، وكانت واحدة من القبائل المؤثرة سياسيًا واقتصاديًا في حضرموت والمنطقة.
أما من حيث النسب، فترتبط القبيلة بنسب ملكي يمتد إلى الملك سيف بن ذي يزن الحميري، عبر محمد بن بريك، مما يُضفي على القبيلة مكانة تاريخية خاصة بين قبائل الجزيرة.
انتشار قبيلة آل بريك في الخليج
قبيلة آل بريك لا تقتصر على اليمن فقط، بل لها فروع منتشرة في عدد من دول الخليج العربي، مثل:
- المملكة العربية السعودية
- قطر
- سلطنة عمان
- الإمارات العربية المتحدة
وقد لعب أفراد القبيلة دورًا مهمًا في مجالات:
- القضاء: حيث كان منهم قضاة شرعيون في محاكم متعددة.
- الفقه والتدريس: خاصة في ظفار واليمن.
- الخدمة العسكرية والإدارية: خصوصًا في السعودية وقطر.
إرث علمي واجتماعي.. من حضرموت إلى الخليج
لطالما كان لقبيلة آل بريك إسهام واضح في نشر العلم والمعرفة، إذ خرج منها عدد من العلماء والدعاة والقضاة، مما عزز مكانتها في المحافل العلمية والدينية والاجتماعية.
كما كان لها حضور مشرف في الدفاع عن القيم الإسلامية والهوية العربية، لا سيما في فترات الاضطراب السياسي بالمنطقة.
ولعل انتماء الشيخ سعد البريك لهذه القبيلة ذات التاريخ الحافل قد منح شخصيته وزنًا اجتماعيًا وشعبيًا، وأسهم في تعزيز صورته كداعية يتحدث باسم الشعب والقبيلة.
شخصية سعد البريك: ما بين الخطابة والدعوة
عرف الجمهور الشيخ سعد البريك بصوته الجهوري، وحماسته في الخطاب، وقدرته على مخاطبة فئات الشباب والطلبة. ومن أبرز ملامح شخصيته:
- الجرأة في الطرح: لم يكن يخشى من الحديث في المواضيع الشائكة.
- الأسلوب البلاغي: امتلك قدرة عالية على التأثير بالكلمة.
- الحضور الجماهيري: حضر له الآلاف في محاضراته ولقاءاته.
- الحس الدعوي: جمع بين روح الخطابة وأهداف الإصلاح المجتمعي.
وقد ألّف عددًا من الكتب، وشارك في مؤتمرات إسلامية، وكان له برنامج دعوي متنوع يشمل المحاضرات، البرامج التلفزيونية، والنقاشات المفتوحة.
تأثير اعتقاله على المشهد الديني السعودي
جاء اعتقال البريك في وقت كانت المملكة تمر بتحولات اجتماعية وفكرية كبيرة، وكان لصمته الطويل تأثير واضح:
- انحسار الخطاب الدعوي التقليدي.
- تراجع تأثير بعض الرموز الدينية المؤثرة.
- صعود خطاب ديني مؤسسي أكثر تقنينًا.
لكن مع الإفراج عنه، عادت النقاشات حول دور الدعاة، وحدود التعبير، وضرورة التوازن بين الحرية الدينية ومقتضيات الأمن الفكري.
خاتمة: بين الماضي والحاضر.. قصة داعية في وجه العاصفة
تبقى قصة الشيخ سعد البريك واحدة من أبرز القصص التي تُظهر كيف يمكن لتغريدة واحدة أن تغيّر مسار حياة شخصية عامة، وكيف يتداخل الدين مع السياسة والأمن والفكر في المجتمعات العربية الحديثة.
من قبيلة آل بريك العريقة، خرج رجل ترك بصمة كبيرة في الساحة الدينية والفكرية، ومر بمحطة شائكة اعتقل فيها لسنوات، ثم خرج بصمت، تاركًا خلفه أسئلة كثيرة، وإرثًا دعويًا غنيًا، وملايين المتابعين الذين لا زالوا يذكرونه بكل تقدير واحترام.