من هو لونيس حميطوش ويكيبيديا؟ الملياردير الجزائري الذي بدأ بخمسين دينارًا فقط!

لا تحتاج قصص النجاح الملهمة إلى ديباجات رسمية أو شهادات عليا، فبعض الرجال يكتبون أسماءهم في التاريخ بأفعالهم، لا بألقابهم.
هذا ما فعله الحاج لونيس حميطوش، الرجل الذي وُلد في قرية نائية في جبال بجاية، ومات في قلوب الملايين، بعد أن تحول من راعٍ وسائق شاحنة إلى واحد من أعمدة الاقتصاد الجزائري.
لقد عرف الفقر مبكرًا، وذاق مرارة الجوع ومرارة الخسارة، لكنه لم يرضَ أبدًا أن يكون رقمًا عابرًا في سجل الحياة، بل حوّل كل انكسار إلى انطلاقة، وكل أزمة إلى فرصة.
ولأنه آمن أن الكلمة الطيبة والنية الصافية يمكن أن تفتح أبواب الرزق، بدأ مشواره في عالم المال بـ 50 دينارًا فقط، لينتهي به المطاف إلى تأسيس إحدى أكبر شركات الصناعات الغذائية في شمال إفريقيا.
فمن هو هذا الرجل؟ وكيف بنى إمبراطوريته؟ وما سر محبة الناس له؟ إليك القصة من بدايتها حتى اللحظة الأخيرة.
طفولة بين الثورة والفقر
وُلد لونيس حميطوش في 3 ديسمبر / كانون الأول 1946 في قرية شلاطة بأعالي حوض الصومام في ولاية بجاية الجزائرية.
كانت ظروف طفولته قاسية، فاندلاع الثورة التحريرية في 1954 أجبره على ترك مقاعد الدراسة مبكرًا، ليواجه الحياة كطفل لم يعرف من العالم سوى الاضطراب والمقاومة.
مع الاستقلال، وجد نفسه شابًا دون تعليم، لكن بإصرار حديدي على البقاء.
دخل عالم التجارة الشعبية، فتعلّم فيه فنون التفاوض والتدبير، وكان يدرك جيدًا أن البدايات لا تصنع النهاية، وأن الكفاح يمكن أن يصنع المعجزات.
بداية الرحلة بـ50 دينارًا!
في عام 1969، قرر الشاب لونيس أن يترك قريته بحثًا عن فرصة، فشد الرحال إلى العاصمة الجزائرية وليس في جيبه سوى 50 دينارًا.
على طريق المجهول، صادف أحد معارفه الذي عرض عليه وظيفة سائق شاحنة لنقل البضائع، وهي المهنة التي شغلت 5 سنوات من حياته.
لم يكن يرى نفسه مجرد سائق، بل كان يراقب الأسواق، يحفظ الأسعار، ويتعلم من الحوارات الجانبية في المقاهي والأسواق.
وبذكائه الفطري، قرر سنة 1974 شراء أول شاحنة له بالمشاركة مع أحد الأصدقاء، لتبدأ رحلته في نقل البضائع من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.
سرعان ما امتلك أربع شاحنات، لكن طموحه كان أكبر من مجرد النقل.
من النسيج إلى اللبن.. مسيرة التحول
بحثًا عن الاستقرار قرب أسرته، افتتح ورشة للنسيج في بدايات الثمانينات.
نجحت الورشة مؤقتًا، لكنها انهارت لاحقًا بسبب غزو المنتجات الصينية للسوق الجزائري، مما اضطره لإغلاق الورشة وتحمّل خسائر كبيرة.
لكنه لم يستسلم، وجاءته فكرة دخول عالم الصناعات الغذائية من أحد أقاربه.
وبالرغم من قلة الخبرة، وصعوبة السوق، وغياب اليد العاملة المتخصصة، قرر لونيس حميطوش أن يؤسس مصنعًا صغيرًا لإنتاج اللبن ومشتقات الحليب.
وكانت ولادة شركة “صومام” عام 1993، النواة التي ستغيّر حياته للأبد.
صومام.. من حلم محلي إلى ماركة وطنية
- بدأت شركة “صومام” بإنتاج 20 ألف علبة ياغورت يوميًا فقط، وعشرين عاملًا.
- مع الإقبال الكبير، اضطر إلى التوسّع، فطلب قرضًا من البنك بـ20 مليون دينار، استثمره في شراء آلات جديدة.
- بحلول عام 1996، قفز الإنتاج إلى 120 ألف علبة يوميًا، ومعها ارتفع عدد العاملين إلى 60 شخصًا.
- وفي عام 2000، شيد مصنعه الجديد في منطقة تاحراشت، ليكون مقرًّا دائمًا للعلامة التجارية التي ستغزو الجزائر.
- ومن 2010 فصاعدًا، أصبح منتج صومام يصل إلى كل ولايات الجزائر، بنفس الجودة ونفس السعر، بفضل شبكة توزيع متكاملة.
400 مليون يورو.. وسوق دولية
بحلول 2024، كانت “صومام” قد تحولت إلى إمبراطورية حقيقية:
- أكثر من 1350 عاملًا مباشرًا
- أكثر من 10 آلاف وظيفة غير مباشرة
- 400 مليون يورو كإيرادات سنوية
- منتجات تُصدر إلى كندا، ليبيا، موريتانيا، قطر، البحرين
- ولأن المادة الأولية كانت تحديًا، أسس حميطوش 8 مزارع أبقار في ولايات مختلفة، تحتوي على 3000 رأس أبقار، وكان يطمح لرفعها إلى 8000 رأس.
- كما وقع عقود شراكة مع 7000 مربي، بحصيلة تفوق 72 ألف رأس بقر، ويجمع يوميًا أكثر من 860 ألف لتر حليب.
الزراعة الذكية.. الأعلاف من ورڤلة
- أدرك حميطوش أن الأبقار تحتاج إلى أعلاف بأسعار مستقرة، فأنشأ مشروعًا زراعيًا ضخمًا في ورڤلة على مساحة 2000 هكتار لزراعة الأعلاف.
- هذا المشروع لم يخدم فقط مصنعه، بل دعم مربي الأبقار، وخفف الضغط على السوق، وحمى سلسلة التوريد من تقلبات الأسعار.
- وبفضل رؤية تكاملية قلّ نظيرها، أصبحت صومام شركة متكاملة من الإنتاج إلى التوزيع.
رجل الأعمال الخيري.. “الجزائريون جعلوني غنياً، فسأقاسمهم ثروتي”
- كان لونيس حميطوش نموذجًا فريدًا لرجل أعمال إنساني.
- تبرع لمستشفيات، ساعد في علاج مرضى، آوى عائلات محتاجة، دعم الجمعيات، وشارك في حملات التضامن الوطني.
- خلال جائحة كورونا، قدّم سيارات إسعاف، ومولدات أوكسيجين، وتم تلقيبه بـ**”أب الأوكسجين”**، وكان دائمًا يقول:
- “الجزائريون هم من جعلوني غنياً بشراء منتجاتي.. وحان دوري لأرد لهم الجميل”.
تفاصيل وفاة لونيس حميطوش.. رحيل مقاتل لا يعترف بالهزيمة
- في 19 أبريل/ نيسان 2025، توفي لونيس حميطوش في فرنسا عن عمر 79 عامًا بعد صراع مع المرض.
- كان دخوله المستشفى مفاجئًا، ووفاته شكلت صدمة وطنية.
- نُقل جثمانه إلى الجزائر، وتم تشييعه في مقبرة شلاطة بمسقط رأسه، وسط حضور شعبي ورسمي حاشد.
- وعلى الرغم من المرض، بقي حتى اللحظات الأخيرة يتابع شركته، ويعطي التوجيهات، ويراقب نبض المشروع الذي بناه بيديه ومع أولاده وأقاربه.
إرث إنساني واقتصادي خالد
لن يُذكر لونيس حميطوش فقط كمالك “صومام”، بل سيظل اسمه مرتبطًا بكل طفل شرب حليبًا مغذيًا، وكل مريض أنقذته محطة أوكسجين، وكل عامل وجد في مصنعه حياة كريمة.
إنه رجل كتب تاريخه بـ”العرق”، لا بالحبر، وبالحب، لا بالبروتوكولات.