قراءة في رواية ربيع الصيانيم: عندما تفضح الرواية جهاز الموساد وتفكك آلة الصهيونية العالمية
في زمنٍ تتعدد فيه أشكال المقاومة، وتُقمع فيه الأصوات الحرة، تخرج رواية “ربيع الصيانيم” للكاتب المغربي جاكوب كوهين كعمل أدبي جريء يتجاوز المألوف، ويفتح أبوابًا من الوعي لم تكن متاحة للقراء العرب بهذه السلاسة والعمق من قبل.
الرواية، التي ترجمت حديثًا إلى العربية عن منشورات “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع”، ليست مجرد عمل أدبي، بل هي وثيقة سردية سياسية تسعى إلى فضح نظام متكامل من النفوذ الخفي يديره جهاز الموساد الإسرائيلي عبر شبكة ممتدة من العملاء يطلق عليهم اسم “الصيانيم”.
من هو جاكوب كوهين؟ صوت يهودي مناهض للصهيونية
ينتمي الكاتب جاكوب كوهين إلى عائلة يهودية مغربية من ملّاح مدينة مكناس، وتدرج في سلك التعليم الأكاديمي حتى أصبح أستاذًا بكلية الحقوق في الدار البيضاء، قبل أن ينتقل إلى الإقامة في فرنسا. كوهين لا يُخفي انتماءه الديني كيهودي، لكنه يعلن، بكل وضوح، انحيازه إلى الحق الفلسطيني، ورفضه القاطع للمشروع الصهيوني.
عرفه القراء العرب من خلال كتاباته النقدية الحادة للصهيونية، والتي تصدر عن تجربة عميقة، وفهم داخلي لما يُسمى بـ”اللوبي الإسرائيلي” في الغرب، خاصة في فرنسا، حيث يعيش الكاتب منذ سنوات طويلة، ويعرف تمامًا كواليس الإعلام والسياسة.
ماذا تعني كلمة صيانيم؟ تفكيك المفهوم من داخل اللغة
تُشتق كلمة “صيانيم” من الفعل العبري “لِسَيِّع” (לְסַיֵּעַ)، أي “ساعد”، وهي تُطلق على اليهود المقيمين خارج إسرائيل الذين يُجنَّدون سراً من قبل جهاز الموساد ليقدموا خدماته دون أن يكونوا بالضرورة عملاء رسميين.
لكن الأهم، كما يكشف كوهين في روايته، هو أن هؤلاء الصيانيم يعملون:
- في الإعلام،
- في السينما،
- المال والبنوك،
- في الأوساط الأكاديمية،
- في شبكات الضغط السياسي.
أي أن المشروع الصهيوني يتجاوز الجغرافيا العسكرية، ليبني إمبراطورية نفوذ ناعمة تعمل على تطويع الرأي العام العالمي، والتحكم في السردية التاريخية، والتغطية على جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
ربيع الصيانيم: عمل أدبي أم تحقيق سياسي مقنّع؟
رغم أن “ربيع الصيانيم” تُصنف ضمن الأدب الواقعي، إلا أنها تتقاطع مع أدبيات التحقيق السياسي، وتُعتبر عملًا مركبًا يجمع بين:
- السرد الروائي،
- التحليل السياسي،
- الشهادات المضمّنة،
- المرجعيات الوثائقية.
الكاتب لا يكتفي بالسرد، بل يفكك البنية الخفية التي يعمل من خلالها الصيانيم، ويعطي للقارئ فرصة نادرة للتفكير في كيف تتسلل الصهيونية إلى المجتمعات الغربية والعربية من خلال وجوه “غير إسرائيلية”.
لماذا تم اختيار فرنسا كنموذج في الرواية؟
اختيار فرنسا كمجال لحركة “الصيانيم” لم يكن عبثيًا، فالبلد الأوروبي الذي يضم أكبر جالية يهودية في أوروبا، يعتبر من أكثر الدول التي نجح فيها اللوبي الصهيوني في بناء شبكة نفوذ إعلامي وثقافي وسياسي قوية.
يعرض كوهين، من خلال روايته، مشاهد واقعية لحالات تجنيد، وضغط على الصحافة، وتمرير أجندات، كما يرصد آليات تحويل الفن والإعلام إلى أدوات بروباغندا لصالح المشروع الصهيوني.
هوليوود… الوجه الآخر للصهيونية
من بين أبرز الأمثلة التي يُوردها الكاتب، هو فيلم “الهجرة EXODUS” الذي أُنتج عام 1961، والذي أصبح مرجعًا بصريًا لجيل كامل من الغربيين حول أحداث تأسيس إسرائيل.
لكن الفيلم، كما يشرح كوهين، هو رواية صهيونية حصرية، لا تترك مكانًا لوجهة نظر الفلسطينيين، وتُسوق للمحتل كضحية.
هذا المثال يفتح الباب أمام فهم أوسع لدور الصيانيم في السينما، حيث تمتلئ استوديوهات هوليوود بعشرات “المتعاونين” الذين يسوقون الرواية الصهيونية عبر الأعمال الفنية دون أن يظهروا بمظهر “الإسرائيلي الرسمي”.
لماذا تُعتبر الرواية خطيرة؟ إسقاط الهالة عن “معاداة السامية”
من بين الأفكار المركزية التي يُهاجمها كوهين في عمله، هي محاولة ربط معاداة الصهيونية بمعاداة السامية، وهو الخلط المقصود الذي تروج له دوائر النفوذ الصهيوني في الغرب.
حسب الكاتب، فإن هذا الخلط يسمح بتجريم أي موقف متضامن مع القضية الفلسطينية، ويمنح الغطاء الإعلامي والسياسي لـ:
- استمرار الاستيطان،
- قمع الفلسطينيين،
- فرض حصار على غزة،
- وطمس جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.
وبالتالي، فإن الرواية تعمل على تفكيك خطاب الهيمنة الرمزية الذي بُني طوال عقود من خلال “الصيانيم” المندسين في مفاصل القرار الإعلامي والسياسي والثقافي.
لماذا تُرجمت الرواية إلى العربية الآن؟
يشير مقدم الترجمة، الباحث المغربي أحمد ويحمان، إلى أن هذه الرواية لا يمكن قراءتها فقط كإبداع أدبي، بل هي نص تعبوي، ينبغي أن يُدرّس ويُحلّل في سياق الصراع المركزي في الشرق الأوسط: صراع التحرر من الاحتلال الصهيوني.
في زمن تُقمع فيه الأصوات الحرة، وتُمنع فيه حتى عبارات التضامن مع غزة من التداول في الإعلام الغربي، تصبح “ربيع الصيانيم” صرخة في وجه الهيمنة، وأداة لفضح منظومة لا ترى في الفلسطيني سوى عقبة أمام مشروع استيطاني عالمي.
ماذا تضيف الرواية للفكر العربي؟
في ظل ما يُعرف بـ”الاختراق التطبيعي” الذي بدأ يتغلغل في عدة دول عربية، تُشكل “ربيع الصيانيم” قراءة لا غنى عنها للمثقفين العرب، وخصوصًا:
- الصحفيين،
- الأكاديميين،
- الفنانين،
- والنشطاء.
ذلك لأنها تكشف كيف يُستخدم الفن والثقافة والإعلام لتطبيع الوعي العربي مع المشروع الصهيوني، تحت ستار الانفتاح أو السلام.
استقبال القراء والنقّاد: بين الدهشة والصدمة
حققت الرواية انتشارًا كبيرًا بين القراء المغاربة والعرب، وصدرت عنها مقالات تحليلية كثيرة. بعض النقاد وصفوها بأنها:
- “أخطر ما كُتب عن الصهيونية الناعمة”.
- “إبداع بمضامين تحقيقية توثيقية”.
- “كتاب يضع يدك على نبض التحكم الخفي في العالم”.
كما أشاد بها قراء على مواقع التواصل، وكتب أحدهم:
- “لم أكن أعرف أن الفن يمكن أن يُستعمل بهذه البراعة لصالح الاحتلال، حتى قرأت ربيع الصيانيم.”
أسئلة يطرحها العمل
الرواية تثير العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى تفكير عميق:
- هل نحن واعون فعلًا بأن روايتنا التاريخية مغيّبة عالميًا؟
- كيف يمكن التصدي لـ”الصهيونية الثقافية”؟
- من يحمي الصهيونية داخل البلدان العربية؟
- وهل ما زلنا نملك أدوات المقاومة في زمن التطبيع؟
خاتمة: رواية تحوّل القارئ إلى مقاوم بالفكر
في زمن تحوّلت فيه بعض الأقلام إلى أدوات تلميع للمحتل، تأتي “ربيع الصيانيم” لتُعيد الاعتبار للقلم كمقاومة، وللرواية كأداة تحريض إيجابي.
هي ليست فقط رواية عن الصهيونية، بل عن كيف تُخترق الأمم من الداخل، وكيف يُستعمل الفن والسياسة والثقافة والإعلام لصناعة زيف ناعم يخنق الحقيقة.
جاكوب كوهين، اليهودي المغربي، يُثبت مرة أخرى أن الانتماء للحق لا يرتبط بدين أو قومية، بل بضمير حي.