من هو الصحفي حلمي الفقعاوي ويكيبيديا السيرة الذاتية؟ عدسة أحرقتها الحرب لكنها أضاءت ذاكرة الكرامة
في أرضٍ يحاصرها الموت من كل الجهات، وتغيب عنها العدالة، ظهر حلمي الفقعاوي كصوتٍ حر، صحفي شجاع لا يعرف الخوف طريقًا إلى قلبه، حمل الكاميرا لا ليبحث عن ضوء الشهرة، بل ليصوّر الحقيقة كما هي: دامية، محروقة، منسية.
لكنه لم يكن يدري أن الكاميرا التي وثّقت آخر صيحاته، ستكون أيضًا شاهدة على استشهاده.
في يومٍ سيظل محفورًا في ذاكرة الإعلام الفلسطيني والعربي، استُشهد الصحفي حلمي الفقعاوي يوم 7 أبريل 2025، بعد احتراقه حيًا أمام عدسات البث المباشر، أثناء تغطيته لأحداث العدوان الإسرائيلي على غزة. وفي مشهد يُعري الإنسانية، وتغصّ له القلوب، التهمت النيران جسده بينما بقيت عدسته توثّق، حتى الرمق الأخير.
هذه ليست قصة شهيد عابر. إنها سيرة قلمٍ صدح بالحق، وصورةٍ صارت رمزا، واسمٍ سيبقى محفورًا في ذاكرة الكرامة. فمن هو الصحفي حلمي الفقعاوي؟ وما قصته؟ وكيف ودّعته غزة على وقع القنابل والدموع؟
من هو حلمي الفقعاوي ويكيبيديا؟
الاسم الكامل للفقيد هو حلمي الفقعاوي حنيدق، صحفي فلسطيني شاب من مواليد تسعينيات القرن الماضي، وُلد في جمهورية الإكوادور لأب فلسطيني مهاجر، قبل أن تعود أسرته إلى غزة ليستقر هناك ويتربى في أحضان وطنه، وسط معاناة الاحتلال والحصار.
نشأ حلمي في بيئة تؤمن بالكلمة وتُعلي من قيمة التعليم. التحق بالجامعة الإسلامية في غزة، وتخرج منها عام 2018 حاملاً بكالوريوس في الصحافة والإعلام. ومنذ بداية مشواره، آمن بأن الإعلام ليس ترفًا، بل مسؤولية، وأن مهنة الصحفي في غزة لا تقل خطرًا عن أي جبهة قتال.
المسيرة المهنية.. من الحلم إلى التغطية في الميدان
رغم الظروف الصعبة التي تحيط بالصحفيين في قطاع غزة، إلا أن حلمي لم يتردد لحظة في اختيار هذا الطريق، بل مضى فيه بكل شغف.
في عام 2022، انضم إلى وكالة فلسطين الإخبارية، حيث أصبح أحد أبرز مراسليها الميدانيين، وغطّى عشرات الأحداث على الأرض، بين الغارات والقصف والدمار، متحديًا كل أشكال الخوف.
تميز حلمي بقدرته على نقل الصورة كما هي، لا يبالغ، ولا يهوّن، فقط يعرض الحقيقة، وهذا ما أكسبه احترام زملائه وثقة المتابعين، وعرّضه مرارًا للملاحقة والتهديد.
تفاصيل استشهاد حلمي الفقعاوي.. حين احترقت الكلمة
في يوم الأحد، 7 أبريل/ نيسان 2025، وأثناء وجوده ضمن خيمة للصحفيين بجانب مستشفى ناصر في خانيونس، تعرض المكان لقصف مباشر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي مشهدٍ مُفجع، التقطت عدسات البث المباشر لحظة احتراق الخيمة، وظهر حلمي يحاول الهرب من ألسنة اللهب، لكن النيران كانت أسرع، فالتهمت جسده في ثوانٍ، وأمام أعين الملايين على الهواء مباشرة.
لم تكن الحادثة مجرد استشهاد، بل كانت جريمة حرب موثقة بالصوت والصورة، اهتزّ لها الرأي العام العربي والدولي، وأثارت موجة غضب عارمة ضد استهداف الصحفيين في غزة.
الصورة التي أبكت العالم
بعد دقائق من استشهاده، انتشرت صورة حلمي وهو ممدد محترقًا بين الركام، على منصات التواصل الاجتماعي، ومعها وُلدت هاشتاغات حملت اسمه، مثل:
- #الشهيد_حلمي_الفقعاوي
- #حلمي_أحترق_بصمت
- #الصحافة_ليست_جريمة
الصورة تحوّلت إلى أيقونة، لا تمثل فقط حلمي، بل كل صحفيٍ يرفع الكاميرا ليواجه الدبابة، وكل صوتٍ يصرخ بالحقيقة تحت النار.
صحافة غزة.. مهنة الموت اليومية
لطالما كانت غزة من أخطر الأماكن في العالم على الصحفيين، وقد قدّمت منذ بداية العدوان على القطاع عشرات الشهداء من الإعلاميين، بينهم أسماء بارزة مثل شيرين أبو عاقلة، ياسر مرتجى، ووسام النجار.
لكن استشهاد حلمي أضاف بعدًا جديدًا للمعاناة: أن يُقتل الصحفي لا فقط لأنه يُوثق، بل لأن الكلمة أصبحت هدفًا مباشرًا للرصاص والقصف.
ماذا قال العالم بعد استشهاد حلمي الفقعاوي؟
الصدمة كانت كبيرة، وردود الفعل واسعة. نددت عشرات المنظمات الدولية، مثل:
- لجنة حماية الصحفيين (CPJ)
- مراسلون بلا حدود (RSF)
- الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)
جميعها طالبت بتحقيق فوري في “جريمة استهداف الصحفيين”، واعتبروا استشهاد حلمي “دليلاً على استخفاف الاحتلال بالقانون الدولي الإنساني”.
ماذا عن عائلته وزملائه؟
أهله المفجوعون ودّعوه بالبكاء والدعاء، وسط مشهد مؤلم. أما زملاؤه الصحفيون، فقد وقفوا دقيقة صمت أمام المستشفى، حاملين كاميراتهم المطفأة، في جنازة ميدانية رمزية، تعبيرًا عن استمرار رسالته رغم رحيله.
قال أحد زملائه:
“حلمي مات، لكن عدسته لا تزال ترانا… سنكمل الطريق عنه، وسنروي ما كان يوثّقه حتى النهاية.”
حلمي الإنسان قبل أن يكون صحفيًا
وراء العدسة، كان حلمي شابًا بسيطًا، يعشق القراءة، ويحب الموسيقى، ويهتم بأدق تفاصيل أصدقائه. كان دائمًا ما يكتب على صفحته الشخصية:
“إن لم نصرخ نحن، من سيصرخ؟ وإن متنا، فليكن صوتنا هو الباقي.”
خاتمة: شهيد الكلمة الذي انتصر رغم الألم
قد تُحرق الأجساد، لكن الرسائل لا تُحرق.
وقد تسكت الأفواه، لكن الصور تبقى، توثّق، تشهد، وتصرخ في وجه الصمت العالمي.
حلمي الفقعاوي لم يكن مجرد شهيد جديد، بل صار رمزًا لكل من يرفع الكاميرا بوجه القتل، ولكل من يؤمن أن الكلمة قد تكون أقوى من الرصاصة.
في وداع حلمي، نقول:
“هنيئًا لك الشهادة يا من كتبتها بنارك، وصورتها بنفسك.”