ماذا تعرف عن قوات الأسايش في سوريا؟ قراءة معمّقة في الذراع الأمنية للإدارة الذاتية والاتفاق الجديد في حلب
في تطور لافت للمشهد السوري، عاد اسم قوات الأسايش إلى الواجهة الإعلامية بعد اتفاق استثنائي تم التوصل إليه بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية، يهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع الأمنية والإدارية في مدينة حلب، وتحديدًا في حيّي الشيخ مقصود والأشرفية.
هذا الاتفاق الذي أثار جدلًا واسعًا على الصعيدين السياسي والأمني، يفتح أبوابًا كثيرة للتساؤلات: من هي قوات الأسايش؟ ما دورها في شمال وشرق سوريا؟ وكيف سيتغير مستقبلها في ظل هذا التحول الكبير في مدينة كانت ولا تزال في قلب النزاع السوري؟ هذا المقال الحصري يقدم لك الإجابة الوافية والموسعة عن كل هذه التساؤلات، مدعومة بسياق سياسي وميداني متكامل.
مقدمة: هل تكتب حلب بداية جديدة للتعايش بعد سنوات من الانقسام؟
لا شك أن الوضع في مدينة حلب، خاصة في مناطقها ذات الأغلبية الكردية، بقي محكومًا بحالة من الانقسام السياسي والأمني لسنوات، خاصة بعد سيطرة “قسد” على حيّي الشيخ مقصود والأشرفية منذ عام 2012، وغياب النظام عن تلك الأحياء بشكل شبه كامل. ومع تطورات الأيام الأخيرة، يبدو أن هناك بداية جديدة تُرسم على ملامح الواقع، بداية يتصدر فيها اسم “الأسايش” كمفتاح للمرحلة القادمة.
بنود الاتفاق بين قسد والحكومة السورية: نقطة تحوّل أم هدنة مؤقتة؟
الاتفاق الجديد الذي تم الإعلان عنه بين “قسد” والحكومة السورية تضمن عددًا من البنود الرئيسية التي ستُحدث فرقًا ملموسًا في الواقع اليومي لسكان حلب، وعلى رأس هذه البنود:
- انسحاب الوحدات العسكرية الكردية، وخاصة وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ من الأحياء المستهدفة.
- بقاء قوات الأسايش لأداء المهام الأمنية، لكن هذه المرة تحت إشراف وزارة الداخلية السورية، وضمن بنية الأمن العام الرسمي.
- دمج إداري للحيين ضمن هيكلية مدينة حلب، ما يعني تفعيل الخدمات الحكومية السورية بشكل رسمي في تلك المناطق.
- فتح المعابر الداخلية مع الأحياء المجاورة، وهو ما سيُسهم في كسر العزلة التي عانى منها السكان لسنوات طويلة.
- تمثيل سياسي ومدني لسكان الأحياء في مجالس حلب الرسمية مثل مجلس المحافظة وغرف التجارة.
- هذه البنود تحمل دلالات استراتيجية عميقة، وتؤشر إلى محاولات فعلية لدمج الإدارة الذاتية ضمن الإطار السوري الموحد، ولو تدريجيًا.
من هي قوات الأسايش؟ تعريف شامل بالذراع الأمنية للإدارة الذاتية
تُعرف قوات الأسايش بأنها القوة الأمنية التابعة لـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، وقد ظهرت إلى العلن لأول مرة في عام 2012 عقب انسحاب القوات النظامية من المناطق الكردية إثر تصاعد النزاع في البلاد.
النشأة والتطور:
- في البداية، كانت الأسايش تقوم بمهام بسيطة كتنظيم المرور وتأمين الأسواق.
- مع تزايد التهديدات الأمنية، تطورت تدريجيًا إلى جهاز أمني متكامل يشرف على مكافحة الإرهاب، إدارة المعابر، تتبع الجريمة المنظمة، وضبط الأمن في المدن.
- بحلول عام 2017، تجاوز عدد عناصر الأسايش 15,000 عنصر، منتشرين في أكثر من 218 مركزًا و385 نقطة تفتيش.
تركيبة قوات الأسايش: تنوع عرقي وتمكين نسائي فريد
تُعدّ الأسايش من أكثر التشكيلات الأمنية السورية تنوعًا من الناحية العرقية، وتشمل في صفوفها:
- الأكراد كأغلبية أساسية.
- العرب من مختلف المناطق في الجزيرة السورية.
- التركمان وبعض المكونات السريانية.
- ومن اللافت أن 30% من عناصر الأسايش من النساء، وهو ما يجعلها من أبرز التشكيلات الأمنية التي تطبق مبدأ المساواة الجندرية في منطقة الشرق الأوسط.
تدريب عالي المستوى بدعم دولي
تحظى قوات الأسايش بدعم تقني وتدريبي مستمر من قبل التحالف الدولي ضد داعش، حيث خضعت فرقها لدورات مكثفة في:
- التعامل مع المتفجرات والأحزمة الناسفة.
- تفكيك خلايا التنظيمات الإرهابية، خصوصًا في الرقة ودير الزور.
- إدارة مراكز التوقيف ومكافحة تهريب المخدرات.
الأسايش في الميدان: مكافحة المخدرات ومحاربة الإرهاب
شهد مارس الماضي إعلانًا بارزًا من الأسايش عن ضبط شحنة ضخمة تحتوي على أكثر من 2.7 مليون حبة كبتاغون في مدينة القامشلي، إضافة إلى اعتقال اثنين من أبرز المهربين.
كما نفّذت الأسايش خلال العام الماضي حملات استباقية ضد خلايا نائمة لتنظيم “داعش” في محافظتي دير الزور والحسكة، وأسفرت عن اعتقالات ومصادرات مهمة، مما عزز مكانتها كجهاز أمني فاعل في مواجهة التهديدات العابرة للمناطق.
الاتفاق الجديد في حلب: لماذا بقاء الأسايش دون الوحدات المسلحة؟
ضمن الترتيبات الجديدة، سيتم انسحاب الوحدات المسلحة التابعة لـ”قسد” من أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، على أن يبقى فقط عناصر الأسايش، ولكن:
- سيرتدون زي الأمن العام التابع لوزارة الداخلية السورية.
- سيعملون بالتنسيق المباشر مع الأجهزة الأمنية الرسمية.
- وستُعتبر مهامهم مكملة للأمن السوري، وليس بديلة عنه.
- وهو ما وصفه محللون بأنه اختبار أولي لإمكانية توحيد الأجهزة الأمنية مستقبلًا دون اللجوء إلى الصدامات.
تبادل الأسرى: مؤشر على جدية التنفيذ
ترافق الاتفاق مع عملية تبادل أسرى شملت أكثر من 200 موقوف من الجانبين، وهو ما عُدّ خطوة إنسانية وسياسية في آنٍ واحد، تعكس جدية الطرفين في طيّ صفحة من الصراع، وفتح باب التفاهم الأمني.
العلاقة بين قوات الأسايش واتفاق مارس 2025
الاتفاق المُوقع في 10 مارس بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، نصّ بشكل واضح على:
- دمج مؤسسات قسد المدنية والعسكرية ضمن هيكل الدولة السورية.
- تسليم المعابر والمقرات الأمنية للجهات الرسمية.
- إعادة بناء الهيكل الإداري في شمال سوريا بالتوازي مع ما يحدث في حلب.
وبالتالي، فإن ما جرى في حلب ليس حدثًا معزولًا، بل هو نقطة انطلاق لخطة أوسع قد تشمل محافظات مثل الحسكة، الرقة، وحتى دير الزور لاحقًا.
هل تسير سوريا نحو المصالحة أم إلى إعادة إنتاج الصراع؟
رغم التفاؤل الظاهري الذي أحاط بالاتفاق، لا يزال الكثيرون متخوفين من مستقبل العلاقة بين “الإدارة الذاتية” و”الدولة السورية”، إذ تبرز عدة تساؤلات:
- هل سيقبل الطرفان بالاندماج الكامل دون شروط؟
- هل تُعتبر الأسايش اليوم جزءًا من الدولة أم كيانًا مستقلًا تحت المراقبة؟
- هل يمكن تعميم هذا النموذج على مناطق أخرى؟
أسئلة تبقى بلا إجابات حاسمة، لكنها بالتأكيد ستشكل عناوين المرحلة المقبلة في مشهد سياسي يزداد تعقيدًا.
الخلاصة: الأسايش من كيان محلي إلى لاعب وطني
منذ تأسيسها، شكّلت قوات الأسايش تجربة فريدة في الأمن المجتمعي والإدارة الذاتية، لكنّها اليوم تقف عند مفترق طرق قد يحوّلها إلى نموذج جديد للأمن الموحد في سوريا، أو يُعيدها إلى دائرة الشكوك والاختبارات.
فالمستقبل السياسي والأمني للأسايش، وسكان المناطق التي تديرها، مرهون بمدى التزام الأطراف باتفاق حلب، وتوسيع نطاقه إلى باقي المناطق، وصولًا إلى تسوية وطنية شاملة، قد تُنهي صراعًا استمر أكثر من 13 عامًا.