سبب وفاة الدكتور عمار بوقس: رحلة كاتب سعودي ألهم الملايين
رحل عن عالمنا الدكتور عمار بن هيثم بن عبد الله بوقس، الكاتب الصحفي السعودي المعروف باسم “عمار بوقس”، عن عمر يناهز 38 عامًا، بعد رحلة طويلة مليئة بالتحديات والإنجازات، تاركًا وراءه إرثًا من الإلهام والقوة. أثار خبر وفاته حزن الكثيرين في المملكة وخارجها، حيث ودّعه المئات من الشخصيات البارزة بكلمات مؤثرة، مما جعل الكثيرين يتساءلون عن حياته، طبيعة مرضه، وكيف تمكن من قهر المستحيل ليصبح أيقونة إلهام للكثيرين.
من هو عمار بوقس؟
وُلد عمار بوقس في ولاية ويسكونسن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1986 (1407هـ)، وسط عائلة سعودية تتطلع إلى مستقبل مشرق لطفلها، لكن القدر شاء أن يكون عمار واحدًا من الأشخاص الذين يواجهون تحديات صحية جسيمة. شُخص عمار بمرض “ويردنغ هوفمان”، وهو نوع نادر من ضمور العضلات الشوكي يصيب الأطفال منذ الولادة ويؤثر بشكل كبير على القدرة الحركية والنمو الجسدي، مما جعله طريح الفراش ومعتمدًا على مساعدة الآخرين في كافة جوانب حياته.
ما هو مرض ويردنغ هوفمان؟
يُعد مرض ويردنغ هوفمان من الأمراض الوراثية النادرة التي تؤثر على الجهاز العصبي والعضلات. يبدأ المرض في الظهور مبكرًا، ويؤدي إلى ضعف عام في العضلات ويعوق الحركة بشكل كبير، كما يؤثر على القدرة على التنفس والبلع. مع تقدم المرض، تتراجع القدرة الحركية ويصبح المصاب عاجزًا عن الحركة تمامًا، وقد تؤدي المضاعفات إلى الوفاة في سن مبكرة. ومع ذلك، ورغم حدة المرض وتأثيره الجسدي الكبير، فإن عمار بوقس استطاع تحدي الصعاب والتغلب على إعاقته ليصبح رمزًا للقدرة على تحقيق الطموحات.
مسيرة عمار بوقس التعليمية
عانى عمار بوقس منذ صغره بسبب مرضه، ولكنه لم يسمح لتحدياته الصحية أن تعيق مسيرته التعليمية. بدأ تعليمه الابتدائي في المدارس العامة بالولايات المتحدة الأمريكية حيث قضى فيها سنواته الأولى. بعد عودته إلى المملكة العربية السعودية، واجه تحديات إضافية تتعلق بقبوله في المدارس المحلية، حيث رفضت معظم المدارس إدراجه كطالب منتظم. وفي هذه المرحلة، لعب جده الأستاذ عبد الله بوقس، وكيل وزارة الحج ومدير عام التعليم بالمنطقة الغربية، دورًا كبيرًا في دعمه، إذ توسط لقبوله كطالب بنظام الانتساب.
مسيرة عمار بوقس الأكاديمية
واصل عمار بوقس دراسته رغم جميع الصعوبات حتى تخرج من المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في جدة بتقدير ممتاز، محققًا نسبة 96% في عام 1423هـ/2002م. لم يكتفِ عمار بذلك، بل أكمل دراسته الجامعية ليحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بقسم الإعلام والعلاقات العامة في جامعة الملك عبد العزيز، محققًا المركز الأول على مستوى الجامعة بمعدل 4.73/5. أثبت عمار بتفوقه أن الإرادة القوية تتجاوز أي إعاقة جسدية، وأن التفوق الأكاديمي ليس حكرًا على الأصحاء جسديًا.
إنجازات عمار بوقس في مجال الصحافة
بعد تخرجه من الجامعة، بدأ عمار بوقس مسيرته المهنية في عالم الصحافة حيث عمل ككاتب صحفي، وحقق شهرة واسعة في هذا المجال. انضم إلى القسم الرياضي في صحيفة “المدينة” السعودية واستمر فيها لمدة خمس سنوات قبل أن ينتقل للعمل في صحيفة “عكاظ”. كان عمار يرى أن ذوي الإعاقة لديهم قدرات استثنائية قد تفوق الأصحاء، لكنه كان يؤمن أن هذه القدرات تحتاج إلى الفرصة المناسبة لكي تبرز وتظهر للعيان.
حفظ القرآن الكريم وإنجازاته الروحية
من أبرز إنجازات عمار بوقس حفظه للقرآن الكريم في سن الثالثة عشرة، واستطاع إتمام حفظه خلال سنتين فقط، رغم التحديات الصحية التي واجهها. كانت تلك التجربة محطة فارقة في حياته، إذ كان يشعر بالامتنان العميق لهذه النعمة، حتى أنه ذكر في إحدى مقابلاته أنه يتمنى أن يمنحه الله الصحة لعشر ثوانٍ فقط ليتمكن من السجود شكرًا لله. كان حفظ القرآن بالنسبة له رمزًا للإصرار والعزيمة، كما أنه كان يعتبره مصدر إلهام روحي يقوي عزيمته في مواجهة مصاعب الحياة.
مبادرة دعم ذوي الإعاقة
في عام 2014، أطلق عمار بوقس مبادرة لدعم الموهوبين من ذوي الإعاقة، وكان يهدف من خلالها إلى توفير منصة للأشخاص ذوي الإعاقة لإظهار مواهبهم وتطوير قدراتهم. لم تلبث هذه المبادرة أن تطورت، وفي مارس 2018 أصبحت جمعية رسمية تهدف إلى دعم وتطوير مهارات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع السعودي. مثلت هذه المبادرة امتدادًا لرحلة عمار في نشر الوعي حول إمكانيات ذوي الإعاقة، والعمل على تحسين ظروف حياتهم وتقديم الدعم اللازم لهم لتحقيق إمكانياتهم الكاملة.
عمار بوقس والزواج والحياة الأسرية
عبر عمار بوقس في أكثر من مناسبة عن سعادته بحياته الزوجية، حيث تزوج منذ ثلاث سنوات وعاش مع زوجته حياةً مستقرة. كان يعتبر عائلته أحد أهم مصادر الدعم في حياته، وكان يشدد دائمًا على أهمية الدعم الأسري في تحقيق طموحات الأشخاص ذوي الإعاقة. في حديثه في “لقاء الخميس” الذي يعقد أسبوعيًا بأحد مقاهي الرياض، كان يؤكد على ضرورة فهم المجتمع لقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة واحترامها، وكان يشيد بالعديد من الأصدقاء والمعارف الذين دعموا مسيرته منذ البداية.
رسالته للمجتمع وذوي الإعاقة
كان عمار بوقس يرى أن التحديات والصعوبات جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، وأن العزيمة والصبر هما السلاحان الأهم للتغلب على هذه التحديات. كانت رسالته واضحة: يجب أن يتحلى الجميع بالأمل والإيمان، وألا يسمحوا لأي ظروف بتعطيل مسيرتهم في الحياة. كان يؤمن بأن ذوي الاحتياجات الخاصة يمتلكون قدرات فريدة، وكان يضرب مثالًا بمصور كفيف استطاع تطوير مهاراته في التصوير اعتمادًا على الصوت، وشاب أصم نجح في إكمال دراسته الجامعية دون أن يلاحظ أحد إعاقته، بفضل مهارته في قراءة الشفاه.
وفاة عمار بوقس
صباح الخميس، 14 نوفمبر 2024، أُعلن عن وفاة عمار بوقس بعد معاناة طويلة مع مرض ويردنغ هوفمان، والذي تطلب منه الشجاعة والصبر لمواصلة الحياة. كانت وفاته بمثابة خسارة كبيرة للمجتمع السعودي، ولمحبيه الذين عرفوه برجل الإرادة الحديدية والقلب الرقيق. بوفاته، افتقد المجتمع السعودي شخصًا استثنائيًا عاش حياته في سبيل خدمة الآخرين، ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، ونشر الوعي حول قدرتهم على تحقيق الإنجازات.
إرث عمار بوقس وأثره في المجتمع
ترك عمار بوقس إرثًا قويًا من الإلهام والقوة. لم تكن حياته مجرد قصة نجاح فردية بل كانت رسالة للمجتمع بأسره عن القدرة على تجاوز العقبات، وعن أهمية توفير الدعم لذوي الاحتياجات الخاصة. ألهم عمار العديد من الشباب ليؤمنوا بأنفسهم وأن يضعوا أهدافهم نصب أعينهم دون الالتفات إلى التحديات التي تواجههم. كما أن مبادرته لدعم الموهوبين من ذوي الإعاقة تظل شاهدًا على إيمانه العميق بقدرات هؤلاء الأشخاص.
خلاصةكانت حياة عمار بوقس مليئة بالتحديات، لكنه استطاع بصبره وقوته تحويل هذه التحديات إلى إنجازات ألهمت الجميع. كان مثالًا حيًا على أن الإعاقة الجسدية لا يمكن أن تكون عائقًا أمام الإنسان لتحقيق أحلامه. رغم رحيله، ستظل سيرته العطرة مصدر إلهام للأجيال القادمة، ورسالة لكل من يواجه صعوبة في حياته أن يتحدى العقبات ويؤمن بأن المستقبل يمكن أن يكون أجمل، كما كان يردد دائمًا.