تفاصيل القصة الكاملة لخاطفة الدمام: 25 عامًا من التزوير والسحر انتهت بالقصاص

في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل والصدمة في تاريخ المملكة العربية السعودية، تحولت “خاطفة الدمام” إلى رمز للجريمة المنظمة المستترة خلف أقنعة المكر والسحر والتزوير.
بدأت القصة في تسعينات القرن الماضي، واستمرت خيوطها المظلمة حتى لحظة القصاص العادل في مايو 2025، حين نُفذ الحكم الشرعي بحق المتهمة الرئيسية وشريكها.
هذه القصة لم تكن جريمة عابرة، بل امتدت لعقود، تجذرت فيها الأكاذيب، وتبددت خلالها أحلام ثلاث عائلات سعودية بحثت عن فلذات أكبادها لأكثر من 20 سنة.
كيف استطاعت امرأة أن تنسج شبكة متقنة من الأكاذيب، وتنشئ أطفالًا ليسوا أبناءها، وتخدع المجتمع؟ هذا ما سنكشفه في السطور القادمة.
البداية الغامضة: الدمام 1996.. أول الخيوط السوداء
في عام 1996، كانت مدينة الدمام تعيش يومًا اعتياديًا داخل أروقة مستشفى الولادة والأطفال، دون أن يدرك أحد أن هناك جريمة بشعة توشك على الحدوث. في لحظة من الفوضى، قامت امرأة ترتدي زيًا مشابهًا للممرضات باختطاف رضيع حديث الولادة من حضن أمه.
لم تكن تلك سوى البداية. بعد ثلاث سنوات، وفي نفس المدينة، تكررت الجريمة. هذه المرة كانت “خاطفة الدمام” أكثر جرأة، إذ استطاعت التسلل إلى قسم حديثي الولادة، وادعت أنها ضمن الطاقم الطبي وأخذت طفلًا آخر بحجة الفحص الطبي.
وفي عام 2000، اختُطف الطفل الثالث بنفس الطريقة، لتُغلق بذلك دائرة الجريمة وتبدأ مرحلة جديدة من التمويه والتزوير والتضليل.
هوية مخفية.. كيف ربت الأطفال المخطوفين؟
قامت الجانية، والتي تُدعى مريم بنت محمد بن حمد المتعب، بتسجيل الأطفال الثلاثة بهويات مزيفة، مدعية أنهم أبناؤها من زوج سابق. لم تشك الجهات المعنية في الأمر، حيث قدمت وثائق رسمية مزورة تؤكد نسب الأطفال إليها، مدعومة بشهادات ميلاد مزيفة وهوويات وطنية مختلقة.
عاش الأطفال لسنوات طويلة تحت هذا الغطاء، حيث التحقوا بالمدارس، وتلقوا الرعاية الصحية، وشاركوا في المجتمع كأبناء شرعيين لها، دون أن يعرفوا الحقيقة المروعة التي تقف خلف هويتهم المزيفة.
لم يكن ذلك ليحدث لولا شريك الجريمة، وهو شخص من جنسية يمنية ساعدها في استخراج الوثائق الرسمية، كما شاركها في أعمال التزوير والتستر.
السحر والشعوذة.. أدوات الجريمة الصامتة
لم تكتفِ “خاطفة الدمام” بالخداع الورقي والتزوير الإداري، بل لجأت إلى أحد أكثر الأساليب خطورة على الصعيد العقائدي والمجتمعي، ألا وهو السحر والشعوذة.
وفقًا لتحقيقات الجهات الأمنية، استخدمت الجانية طقوسًا سحرية وشعوذات بهدف التأثير على المحيطين بها، وتمويه الحقائق، بل وحتى تسهيل تنفيذ جرائمها دون إثارة الشبهات.
تم العثور على طلاسم وأدوات سحر داخل منزلها خلال عمليات التفتيش، وهو ما عزز الاتهامات الموجهة ضدها، وأظهر جانبًا مظلمًا آخر من شخصيتها وسلوكها الإجرامي.
اكتشاف الحقيقة.. نقطة التحول عام 2019
بقيت هذه الجريمة طي الكتمان لأكثر من عقدين، حتى بدأ الشك يتسلل إلى الجهات المختصة في عام 2019 بعد تلقي بلاغات متكررة حول سلوكيات مشبوهة تتعلق بأوراق الهوية للأطفال الثلاثة.
قادت هذه الشكوك إلى فتح تحقيق موسع تخلله إجراء تحاليل DNA أثبتت عدم وجود صلة بيولوجية بين “مريم” والأطفال، لتتضح حينها الصورة المفزعة: هؤلاء الأطفال مختطفون منذ الولادة.
تم القبض على الجانية وشريكها، وبدأت رحلة العدالة الطويلة نحو إصدار الحكم النهائي.
تفاصيل المحاكمة: شهادات دامعة واعترافات صادمة
أحيلت القضية إلى المحكمة الجزائية المختصة، حيث رُفعت لائحة اتهام تضمنت:
- خطف أطفال حديثي الولادة.
- انتحال الهوية والتزوير.
- ممارسة السحر والشعوذة.
- التستر على جريمة كبرى.
- تزوير وثائق رسمية.
استمعت المحكمة إلى شهادات الضحايا الذين بلغوا سن الشباب، وتحدثوا عن معاناتهم بعد اكتشاف الحقيقة، كما أدلى ذووهم الحقيقيون بشهاداتهم التي أثارت الدموع في قاعة المحكمة.
أكدت تقارير الطب الشرعي والتقني أن الجريمة كانت مخططة ومحكمة التنفيذ، واعترفت المتهمة خلال التحقيقات بتفاصيل عملية الخطف، والطرق التي استخدمتها لتضليل القانون والمجتمع.
حكم القصاص.. العدالة تنتصر بعد ربع قرن
بعد مراجعات قضائية مطولة، مرّت القضية بمراحل متعددة حتى وصلت إلى المحكمة العليا، التي أيدت الحكم الشرعي بإنزال القـــــتل تعزيرًا على الجانية وشريكها، نظرًا لبشاعة ما ارتكباه من جرائم.
وفي يوم الأربعاء، الموافق 21 مايو 2025، أُعلن عن تنفيذ الحكم في المنطقة الشرقية، ليُغلق بذلك فصل مظلم من تاريخ الجريمة في السعودية، ويُوجه إنذارًا حاسمًا بأن أمن الإنسان في المملكة ليس مجالًا للعبث أو التساهل.
ردود الفعل: صدمة مجتمعية ومطالبات بتشديد الرقابة
تصدرت القضية وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت ردود فعل واسعة بين المواطنين الذين طالبوا بتشديد الإجراءات الأمنية في المستشفيات، ورفع درجة الوعي بخطر التزوير والسحر.
أكد مختصون في القانون وعلم النفس أن هذه القضية تمثل نموذجًا مؤلمًا لكيف يمكن للجريمة المنظمة أن تتسلل في ثنايا المجتمع، وكيف يمكن لشخص واحد أن يخلّف جرحًا لا يندمل لثلاث أسر.
الأثر النفسي على الأبناء الضحايا: صدمة الهوية والحقيقة المؤلمة
من الجوانب التي أثارت تعاطف الشارع السعودي كانت ردود أفعال “الأبناء” الذين كبروا وهم يعتقدون أن الجانية أمهم، ليكتشفوا فجأة أنهم كانوا ضحايا اختطاف.
عاش هؤلاء الشباب صدمة هوية عنيفة، واضطروا لمواجهة واقع جديد فيه تغيرت حياتهم بالكامل، من الاسم، إلى النسب، إلى العلاقة مع العائلات الجديدة، ما استدعى تدخلًا نفسيًا مكثفًا لدعمهم خلال هذه المرحلة العصيبة.
أسئلة شائعة حول قضية “خاطفة الدمام”
من هي خاطفة الدمام؟
هي مريم بنت محمد المتعب، سعودية الجنسية، انتحلت صفة الأم لثلاثة أطفال مخطوفين لأكثر من عقدين.
كم عدد الأطفال الذين اختطفتهم؟
اختطفت ثلاثة أطفال من مستشفى الولادة والأطفال بالدمام بين أعوام 1996 و2000.
متى تم اكتشاف الجريمة؟
في عام 2019، بعد بلاغات وشكوك دفعت الجهات الأمنية لإجراء تحاليل DNA.
ما الحكم الذي صدر بحقها؟
القتل تعزيرًا، وقد نُفذ الحكم في 21 مايو 2025.
هل استخدمت السحر في جرائمها؟
نعم، وُجدت أدوات وشعوذات استخدمتها للتأثير على من حولها وتضليلهم.
خاتمة: العدالة تنتصر.. ولكن الجراح باقية
قصة خاطفة الدمام تظل واحدة من أكثر القصص التي تركت أثرًا عميقًا في الضمير الجمعي السعودي، ليس فقط لهول الجريمة، بل لما انطوت عليه من خداع وسحر واستغلال لمواطن الثقة.
انتهت هذه القصة المؤلمة بالقصاص العادل، لكنها تركت وراءها أسئلة مفتوحة حول ضعف الرقابة في بعض المؤسسات، وأهمية تعزيز إجراءات الحماية المجتمعية، خاصة في الأماكن الحيوية كالمستشفيات.