سيرة حمد راشد النعيمي ويكيبيديا: من إدارة ميناء عجمان إلى مستشار الديوان الأميري
غيّب الموت في يوم الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025م سعادة المستشار حمد راشد النعيمي، مستشار الديوان الأميري في إمارة عجمان، بعد رحلة طويلة من العمل الدؤوب والتفاني في خدمة وطنه وإمارة عجمان.
لقد ترك الراحل حمد إرثًا ثريًا يمتد من إدارته لميناء عجمان إلى دوره الفعال في المجلس الوطني الاتحادي، مرورًا بمسيرته في الديوان الأميري، ما يجعله واحدًا من أبرز الشخصيات القيادية في الدولة.
هذا المقال يقدم سيرة شاملة لحمد راشد النعيمي، بدءًا من نشأته وخلفيته التعليمية، مرورًا بمسيرته المهنية والزخم الحافل بالإنجازات، وصولًا إلى أمثاله القيادية التي ألهمت الأجيال القادمة.
سنستعرض بحيادية وعمق المساهمة التنموية والاقتصادية والسياسية التي قدمها الراحل، وكيف أثرّت قراراته ومبادراته في دعم مسيرة عجمان التنموية والمحافظة على المكتسبات الوطنية.
في الختام، سنقف عند الإرث الذي تركه حمد راشد النعيمي، وكيف يمكن للأجيال الشابة الاستفادة من تجربته القيادية وبُعد نظره الاستراتيجي في خدمة الوطن والمجتمع.
سيرة حمد راشد النعيمي ويكيبيديا
نشأ حمد راشد النعيمي في كنف عائلة إماراتية عريقة ترتبط بخدمة الوطن منذ تأسيس دولة الإمارات. تلقى تعليمه الأساسي في مدارس الإمارة، قبل أن يحظى بفرصة إكمال دراسته الجامعية في إحدى الجامعات الرائدة في الدولة، حيث تخصص في إدارة الأعمال والعلاقات الدولية. طوال سنوات دراسته، تجلّت حماسته للمشاركة في الفعاليات الطلابية والنقاشات السياسية، ما شكّل لديه قاعدة فكرية صلبة مذهّبها بالقيم الوطنية والاجتماعية.
كانت للبيئة العائلية دور كبير في صقل شخصيته؛ إذ تربّى وسط أسرة تقدّر العلم والعمل، وتشجّع على خدمة المجتمع. واستلهم حمد من والده وممثلي الأسرة نهج الخدمة العامة، ما دفعه منذ مراحل مبكرة لتبني طموح المساهمة في مسيرة التنمية الوطنية. كما أثرت قراءة التاريخ الإماراتي والاطلاع على تجارب الآباء المؤسسين في تشكيل رؤيته القيادية المستنيرة.
بداية المسيرة المهنية: ميناء عجمان نموذجًا
بعد تخرجه الجامعي، انضمّ حمد النعيمي إلى فريق عمل ميناء عجمان، الذي بدأ يخطو خطواته الأولى نحو التحول إلى محور لوجستي وتجاري مهم. تميّز في مهام الإدارة وسرعان ما تبوأ منصب مدير عام الميناء، حيث قاد سلسلة من المشاريع التوسعية والتحديثية:
- تطوير البنية التحتية: أشرف على تأهيل الأرصفة والمخازن، وتركيب أنظمة إلكترونية متقدمة لإدارة حركة السفن والشحنات، ما رفع قدرة الميناء الاستيعابية إلى أكثر من 20% خلال سنتين.
- تعزيز الشراكات الإقليمية: أقام اتفاقيات تعاون مع موانئ خليجية وعالمية، ما جذب استثمارات جديدة وساهم في زيادة حجم التبادل التجاري.
- الاستدامة البيئية: أطلق مبادرة “ميناء أخضر” للحد من الانبعاثات الكربونية والحد من التأثيرات البيئية، عبر تركيب محطات طاقة شمسية وتحسين نظم إدارة النفايات.
هذه النجاحات أسهمت في ترسيخ مكانة ميناء عجمان كمورد أساسي للاقتصاد المحلي، وكانت نقطة انطلاق سطّرت فيها أولى قصص القيادة الناجحة لحمد راشد النعيمي.
من الديوان الأميري إلى استشارات عليا
عرّف الديوان الأميري في إمارة عجمان بحس المؤسسية العالية، وحرصه على الاستثمار في الكفاءات الوطنية. في أكتوبر 2022، عُيّن النعيمي مديرًا للديوان الأميري، حيث أسهم في:
- تعزيز البنية الإدارية: إعادة هيكلة الديوان إلى وحدات عمل متخصصة، مع وضع معايير أداء واضحة ومؤشرات لقياس جودة الخدمات.
- إطلاق المنصة الرقمية: أشرف على تدشين منصة إلكترونية موحدة لتلقي المراسلات الرسمية والتنسيق بين الديوان والجهات الحكومية والخاصة، مما اختصر زمن المعاملات بنسبة تجاوزت 30%.
- مبادرات التواصل المجتمعي: تأسيس منتديات دورية تجمع أصحاب الرأي والمواطنين لمناقشة قضايا التنمية المحلية، وتعزيز الشفافية بين الديوان والجمهور.
ثم في 5 يونيو 2024، صدرت المرسوم الأميري بتعيينه مستشارًا في الديوان الأميري، تكريمًا لحسه الاستراتيجي وخبرته المتنوعة، حيث واصل النعيمي تقديم المشورة لسمو الحاكم في ملفات معقدة على المستويين المحلي والاتحادي.
النشاط الاقتصادي: غرفة تجارة وصناعة عجمان
لم يقتصر دور النعيمي على القطاع الحكومي، بل امتد لقيادة القطاع الخاص والمبادرات الاقتصادية:
- نائب أول لرئيس غرفة تجارة وصناعة عجمان: تولى مهام دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وشارك في إطلاق حزمة حوافز تمويلية بالتعاون مع البنوك المحلية، هدفت إلى تخفيض تكاليف التمويل وتشجيع ريادة الأعمال الوطنية.
- لجان استثمارية: مثّل الغرفة في لجان حكومية واستشارية، تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط.
- مؤتمرات ومعارض تجارية: قاد وفودًا إلى المعارض الدولية لترويج المنتجات المحلية وتوسيع شبكة العلاقات الاقتصادية.
من خلال هذا الدور، أسهم النعيمي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الإمارة، وترك بصمة واضحة في تحسين بيئة الأعمال، ما انعكس إيجابًا على نسب النمو ونسب التوظيف المحلي.
الدور التشريعي والوطني في المجلس الوطني الاتحادي
في المجمع التشريعي، كان لحمد راشد النعيمي صوت مسموع:
- عضو في المجلس الوطني الاتحادي: مثل إمارة عجمان بفاعلية، وشارك في أكثر من 15 جلسة نيابية خلال دورتي المجلس السابعة عشر والثامنة عشر.
- مشاريع قوانين: ساهم في صياغة عدة قوانين تتعلق بالبيئة وتنمية الموارد البشرية، ودعم مبادرات الإصلاح الإداري على المستوى الاتحادي.
- المناصرة المجتمعية: دافع عن قضايا الشباب والمرأة في المجلس، ودعم إنشاء مراكز تدريب مهني وشراكات تعليمية مع جامعات دولية.
لعب دوره التشريعي دورًا محوريًا في نقل احتياجات الإمارة ومقتضيات التنمية المحلية إلى صلب التشريعات الاتحادية، مع تقديم مقترحات قائمة على دراسات ميدانية وتحليلات اقتصادية.
السمات القيادية والإدارية
تجلّت في شخصية حمد راشد النعيمي عدة سمات مكنته من النجاح:
- رؤية استراتيجية: كان ينظر دائمًا إلى المستقبل، ويضع خططًا مرحلية متداخلة الأهداف، مع مؤشرات واضحة لقياس الأداء.
- المرونة والإبداع: استقبل التحديات كفرص للتجديد، وحفّز فريقه على الابتكار في الإجراءات والسياسات.
- التواضع والقدوة: رغم المناصب الرفيعة، اشتهر بالتواصل المباشر مع الموظفين وزيارة الميدان، ما جعل العاملين يشعرون بقرب الإدارة منهم.
- المهنية واحترام القانون: التزم دائمًا بمبادئ الشفافية والمساءلة، ما أكسبه ثقة الزملاء والشركاء.
تأثيره التنموي والمجتمعي
لم تكن إسهامات النعيمي حكراً على القطاعين الحكومي والاقتصادي، بل امتدت إلى المجال المجتمعي:
- الدعم الخيري والاجتماعي: رعى فعاليات خيرية ودعم برامج تنموية في المناطق الأقل حظًا، بالتعاون مع مؤسسات أهلية وجمعيات خيرية محلية.
- تشجيع الشباب: نظّم ورش عمل ومحاضرات في المدارس والجامعات، وأشاد بشجاعة وروح المبادرة لديهم، داعيًا إلى تعزيز دورهم في صنع القرار المحلي.
- المشاريع البيئية والثقافية: دعم إنشاء مكتبات ومراكز ثقافية، وأطلق مبادرة لإعادة تدوير النفايات في الأحياء السكنية.
من خلال هذه المبادرات، عمّق الراحل صلته بالمجتمع، وجسّد مبدأ “الخدمة العامة” في أبهى صورها.
تفاصيل وفاة حمد راشد النعيمي
عقب إعلان الوفاة يوم 20 مايو 2025، صدرت توجيهات صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، بتنكيس الأعلام وإيقاف الدوام الرسمي في الديوان الأميري يوماً للحداد، وتقديم التعازي لأسرة الفقيد وأسرته الكريمة. شهد مجلس العزاء حضورًا لكبار المسؤولين والقيادات المحلية، وقدّموا دروعًا تذكارية لـ “روح الوفاء”. كما بثّت وسائل الإعلام المحلية تقريرًا عن سيرة الراحل وأهم محطاته.
الإرث وسبل الاستفادة للأجيال القادمة
يترك حمد راشد النعيمي إرثًا غنيًا من التجارب والدروس التي يمكن نقلها للأجيال الصاعدة:
- التخطيط المتكامل: أهمية وضع رؤية واضحة مبنية على واقع موضوعي وتحليل دقيق للفرص والتحديات.
- التعاون بين القطاعات: نمط عمله الذي كسر حواجز تنسيق المؤسسات الحكومية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
- الاستمرار في التعلم: شغفه بالمعرفة وتبنيه للتطوير المستمر فتح أمامه آفاقًا جديدة، وهو مثال للشباب على قيمة التعليم والتدريب.
- القيم والأخلاق: ميزه التزامه بالقانون والشفافية وحسن التعامل، وهو دليل على أن النجاح لا يقاس بالمناصب فقط بل بالسمعة الطيبة والخدمة الصادقة.
رؤية مستقبلية
بينما ننعي تلك الشخصية الوطنية المخلصة، علينا أن نواصل نهجه في:
- تعزيز مؤسسات الدولة: بالاعتماد على الكفاءات الوطنية وتدريبهم على إدارة التغيير.
- تشجيع الابتكار: في المشاريع الحكومية والخاصة، والعمل على تبنّي نماذج رقمية ذكية.
- الاهتمام بالبيئة والمجتمع: كما فعل الراحل، بتوسيع مبادرات التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية.
خاتمة
لقد رسم حمد راشد النعيمي بمسيرته صورةً مشرقة لرجل دولة حمل على عاتقه المسؤولية بكل إخلاص وتفانٍ، فكان نموذجا في القيادة الحكومية والاقتصادية والمجتمعية.
ورغم رحيله المفجع، ستظل إنجازاته ومبادراته حية في ذاكرة عجمان والإمارات، ومرجعًا للأجيال الجديدة الباحثة عن دروس في الإبداع والإدارة والمواطنة الصالحة.
إن تذكرنا له ليس مجرد وداع، بل حافز للعمل الجاد والعطاء المستمر، لنبني على ما بدأه ونرتقي بمسيرة التنمية إلى آفاق أرحب.
