ما هي العقوبات التي كانت مفروضة على سوريا؟.. إعلان ترامب رفع العقوبات الأمريكية خطوة تعيد دمشق إلى الساحة الدولية

في خضم المشهد السياسي العالمي المتقلب، شهدت الرياض لحظة استثنائية حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن رفع العقوبات الأمريكية التي كانت مفروضة على سوريا منذ عقود، وذلك خلال مشاركته في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي لعام 2025.

هذا الإعلان، الذي جاء بطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لم يكن مجرد خبر عابر في يوم سياسي مزدحم، بل شكل تحولًا دراماتيكيًا في العلاقة الأمريكية السورية، وفتح الباب أمام إعادة رسم خريطة المنطقة بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد.

الخبر الذي انتشر بسرعة النار في الهشيم، لم يكن فقط عن السياسة والقرارات، بل عن مستقبل ملايين السوريين الذين أنهكتهم سنوات الحرب والعزلة الاقتصادية. وتحت قيادة الرئيس الجديد أحمد الشرع، بدأ المشهد يتغير بخطى سريعة، ليبدأ الحديث الجاد عن عودة سوريا إلى المجتمع الدولي بعد سنوات طويلة من المقاطعة والعقوبات.

فما هي العقوبات التي كانت مفروضة؟ ولماذا رُفعت الآن؟ وماذا يعني ذلك لسوريا وشعبها والمنطقة بأكملها؟ هذا ما سنكشفه في هذا المقال الحصري.

العقوبات الأمريكية على سوريا.. ماذا كانت ولماذا فُرضت؟

بداية العقوبات: جذورها السياسية والاقتصادية

منذ عام 1979، أدرجت الولايات المتحدة سوريا على قائمة الدول الداعمة للإرهاب، الأمر الذي ترتب عليه فرض عقوبات أولية شملت تجميد الأصول السورية وحظر بعض التعاملات الاقتصادية.
لكن الموجة الكبرى من العقوبات جاءت عقب اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حين تصاعدت الاحتجاجات وتحولت البلاد إلى ساحة نزاع دولي.

شملت تلك العقوبات تدريجيًا مجموعة من الإجراءات التي استهدفت:

  • الاقتصاد السوري ككل.
  • القطاع المصرفي ومؤسسات التمويل.
  • قطاع النفط والطاقة.
  • تكنولوجيا الاتصالات والمراقبة.
  • حركة الطيران والنقل الجوي.
  • أشخاص وكيانات مرتبطة بالحكومة.

كانت الولايات المتحدة تأمل أن تؤدي هذه العقوبات إلى إضعاف النظام السوري ودفعه إلى التنازل عن السلطة أو الانخراط في انتقال سياسي حقيقي.

قائمة القيود التي تم إلغاؤها بقرار ترامب

عند إعلان رفع العقوبات، أشار ترامب إلى أن القرار جاء استجابة لطلب سعودي مباشر، وتقديرًا للتحول السياسي الذي شهدته سوريا بعد صعود أحمد الشرع إلى السلطة. وشمل قرار الإلغاء:

  • تجميد أصول الحكومة السورية في البنوك الأمريكية.
  • رفع الحظر عن المعاملات مع البنك المركزي السوري.
  • إتاحة الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة مجددًا.
  • السماح باستيراد النفط السوري ورفع الحظر على بيعه.
  • إلغاء حظر المعدات التكنولوجية المستخدمة في مراقبة الشبكات.
  • السماح للطائرات السورية بالتحليق فوق الأجواء الغربية والهبوط في مطارات أوروبية وأمريكية.
  • رفع القيود على تصدير واستيراد سلع محددة كانت محظورة تحت بند “الاستخدام المزدوج”.
  • هذا القرار لم يكن تقنيًا فقط، بل كان تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأمريكية تجاه دمشق.

التحول بعد الإطاحة ببشار الأسد.. من الظلام إلى فرصة الانفتاح

في ديسمبر 2024، أنهت موجة تغييرات داخلية وخارجية سيطرة بشار الأسد على الحكم، وسط ضغوط غير مسبوقة وتململ شعبي ودولي. وتم إعلان أحمد الشرع رئيسًا لسوريا بعد توافق داخلي مدعوم دوليًا.

  • هذه الخطوة لاقت دعمًا واسعًا من بعض الدول العربية، وتمهدت الطريق نحو تسوية جديدة للملف السوري.

أحمد الشرع، الذي كان سفيرًا سابقًا وله علاقات دولية واسعة، تعهد من أول خطاب له بأن أولوياته هي:

  • إعادة الإعمار.
  • مكافحة الفساد.
  • تحقيق المصالحة الوطنية.
  • إعادة اللاجئين.
  • إصلاح مؤسسات الدولة.
  • رفع العقوبات جاء بمثابة دعم سياسي واقتصادي مباشر لهذه الأولويات.

ردود الفعل الدولية: ترحيب حذر وتفاؤل مشروط

الخطوة الأمريكية لاقت صدى واسعًا، وكانت محور اهتمام كبرى العواصم والمنظمات الدولية. أبرز الردود جاءت من:

  • الأمم المتحدة: وصفت القرار بأنه “خطوة ضرورية لإعادة الإعمار وبناء الثقة”.
  • الاتحاد الأوروبي: أعلن عن مراجعة العقوبات الأوروبية تماشيًا مع التطورات السياسية في سوريا.
  • روسيا: رحبت بالقرار، واعتبرته تصحيحًا لمسار طويل من الضغط غير المجدي.
  • تركيا وإيران: عبرت عن استعدادها للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، لكن بشروط.

السعودية ومصر والإمارات: أبدت دعمها للقرار الأمريكي باعتباره “انفتاحًا إيجابيًا لإنهاء المأساة السورية”.

لكن رغم الترحيب، تبقى التحذيرات قائمة من أن هذا الانفتاح مرهون بخطوات فعلية على الأرض.

التحديات القادمة.. هل يلتزم الشرع بالشروط الأمريكية؟

الولايات المتحدة وإن أعلنت رفع العقوبات، فإنها أرفقت القرار بسلسلة من الشروط التي قد تؤثر على مستقبل التعاون الثنائي، أبرزها:

  • تفكيك مخازن الأسلحة الكيميائية نهائيًا.
  • الالتزام بحقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
  • محاسبة المسؤولين عن الجرائم في الحرب الأهلية.
  • التعاون الاستخباراتي في مكافحة الإرهاب.
  • منع أي نفوذ إيراني عسكري مباشر داخل سوريا.

الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، رد بحذر قائلاً:

“نحن منفتحون على التعاون، لكن يجب احترام السيادة السورية، ولسنا بصدد تنفيذ إملاءات، بل شراكة متكافئة”.

هذا الرد يعكس نية للتفاوض وليس الرفض المطلق.

سوريا أمام مرحلة مفصلية.. ماذا يعني رفع العقوبات فعليًا؟

رفع العقوبات لا يعني حلًا فوريًا لجميع مشكلات سوريا، لكنه يمثل نقطة انطلاق استراتيجية نحو ما يلي:

1. فتح أبواب الاستثمار

  • البنوك العالمية قد تعود للعمل في سوريا.
  • عودة شركات النفط والغاز.
  • تشجيع شركات المقاولات العالمية على الدخول في مشاريع إعادة الإعمار.

2. عودة اللاجئين

  • تسهيل الإجراءات القانونية لعودة السوريين من تركيا ولبنان والأردن وأوروبا.
  • توفير البنية الأساسية لإعادة توطينهم.

3. تحريك عجلة الاقتصاد

  • السماح بالتحويلات المالية من المغتربين.
  • عودة الإنتاج الصناعي والزراعي.
  • إعادة تشغيل المصانع وفتح منافذ التصدير.

4. إعادة بناء النظام التعليمي والصحي

  • رفع الحظر يتيح وصول المساعدات التقنية والتعليمية.
  • استيراد الأدوية والمعدات الطبية الحديثة.

ما الخطوة التالية؟ السيناريوهات المحتملة

بينما يرحب البعض بهذا القرار، لا تزال هناك أسئلة حرجة:

  • هل تنجح الحكومة الجديدة في تلبية التطلعات؟
  • هل تلتزم الولايات المتحدة فعليًا بالدعم الاقتصادي؟
  • ماذا عن موقف المعارضة السورية؟ وهل سيتم دمجها في العملية السياسية؟

التاريخ علمنا أن التحولات السياسية في الشرق الأوسط لا تسير دائمًا في مسار متوقع، لكن المؤكد أن سوريا تقف الآن أمام فرصة فريدة يجب ألا تُهدر.

فقرة ختامية: دمشق تفتح أبوابها من جديد

منذ عقود، لم تكن سوريا أقرب إلى الخروج من عزلتها كما هي اليوم. رفع العقوبات الأمريكية لم يكن مجرد قرار مالي أو سياسي، بل علامة على أن العالم مستعد لمنح دمشق فرصة جديدة.

  • لكن هذه الفرصة لا تُمنح مجانًا، بل تتطلب حسن إدارة، وشجاعة في اتخاذ القرارات، وقدرة على الإصلاح الحقيقي.
  • الرئيس أحمد الشرع أمام اختبار حقيقي، ليس في كسب المجتمع الدولي فقط، بل في استعادة ثقة السوريين أولًا.
  • إنها لحظة مفصلية، والتاريخ سيكتب ما إذا كانت دمشق ستنهض من جديد وتعيد رسم مستقبلها على أنقاض الماضي.

منى الشريف

كاتبة متعددة المواهب، تمتلك قدرة استثنائية على الغوص في أعماق المعرفة واستكشاف مختلف جوانب الحياة. تتميز بأسلوبها السلس والمشوق، وقدرتها على تبسيط المفاهيم المعقدة وتقديمها للقارئ العربي بأسلوب سهل الفهم. تغطي منى طيفًا واسعًا من المواضيع، بدءًا من القضايا الاجتماعية والسياسية وصولًا إلى العلوم والتكنولوجيا والفنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !