دعوة للسلام 2025 .. إطلالة البابا ليون الرابع عشر الأولى
في مشهد تاريخي استثنائي احتشدت له أنظار العالم، أطلت شمس جديدة على الفاتيكان ومعها بابا جديد، خرج من شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليخاطب شعب الكنيسة الكاثوليكية وملايين البشر حول العالم بنداء نقي وواضح: “دعونا نبني السلام”.
البابا ليون الرابع عشر، وهو الاسم الذي اختاره الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست بعد انتخابه بابا للفاتيكان، أطل للمرة الأولى مساء الخميس على وقع هتافات آلاف المؤمنين الذين احتشدوا في ساحة القديس بطرس في لحظة تجمع بين التقاليد والرهانات المستقبلية.
الإطلالة الأولى للبابا الجديد لم تكن احتفالية فقط، بل شكلت بيانًا رسوليًا أوليًا أراد من خلاله أن يرسم ملامح عهده، فكان أن حمل صوته نداءً عالميًا للسلام والوحدة، ورسالة انفتاح على التغيير، لا إلى العالم المسيحي فقط، بل إلى الإنسانية جمعاء.
البابا ليون الرابع عشر.. أول أمريكي في سدة الفاتيكان
لحظة إعلان الكاردينال المكلّف بختم عملية الاقتراع عن اسم البابا الجديد حملت مفاجأة تاريخية: الكاردينال الأمريكي روبرت فرانسيس بريفوست هو من نال ثقة المجمع الكنسي، ليصبح بذلك أول أمريكي يُنتخب بابا على رأس الكنيسة الكاثوليكية منذ قرون.
وفي حين أن الباباوات السابقين جاءوا بمعظمهم من أوروبا، لا سيما من إيطاليا وألمانيا وبولندا، فإن انتخاب بريفوست يعكس تحولًا رمزيًا كبيرًا في توجه الكنيسة الكاثوليكية نحو العالمية والانفتاح على ثقافات متعددة.
اختيار الاسم ليون الرابع عشر لم يكن اعتباطيًا. ففي سجل التاريخ الكاثوليكي، يمثل هذا الاسم إرثًا من الإصلاح والانفتاح الفكري والاجتماعي، لا سيما في عهد البابا ليون الثالث عشر، أحد أبرز من واجهوا تحديات الحداثة في القرن التاسع عشر.
نداء للسلام.. خطاب البابا الأول من شرفة القديس بطرس
في لحظة مليئة بالمشاعر، وقف البابا ليون الرابع عشر شامخًا على شرفة الكاتدرائية، تحت أعمدة عصر النهضة التي تحيط بساحة القديس بطرس، وقال بصوت هادئ وحاسم:
“أدعوكم إلى بناء الجسور، ولنتحد كشعب واحد من أجل السلام.”
كلماته الأولى كانت بسيطة، لكنها قوية في رمزيتها. ففي وقت يتأجج فيه العالم بالحروب والانقسامات، وفي ظل نزاعات دينية وثقافية متصاعدة، تأتي دعوة البابا الجديد لترتفع فوق كل تلك الانقسامات وتذكّر العالم برسالة الكنيسة الأساسية: السلام والمحبة.
وأضاف في كلمته:
“علينا أن نبحث معاً كيف نكون كنيسة مرسلة، تشيد الجسور، وتكون مشرّعة ومفتوحة للحوار.”
هذه العبارة لم تكن فقط دعوة إلى الخارج، بل أيضًا رسالة إصلاح داخلي موجهة إلى المؤسسة الكنسية نفسها، التي تواجه في السنوات الأخيرة تحديات عديدة مرتبطة بالتغيير، والشفافية، والانفتاح على دور أكبر للعلمانيين والنساء.
كنيسة ثائرة وباحثة عن النوعيّة
واحدة من أكثر العبارات التي أطلقها البابا الجديد إثارة للانتباه، كانت وصفه للكنيسة التي يحلم بها بـ”الثائرة والباحثة عن النوعية”. هذه الجملة ألقت بظلالها على معنى الثورة السلمية التي يدعو إليها البابا ليون الرابع عشر، ليس كدعوة إلى التمرد، بل كحاجة ملحّة لإعادة تشكيل مفهوم العمل الرسولي في عصر التكنولوجيا والاضطراب القيمي.
الثورة التي يتحدث عنها البابا ليست سياسية ولا عقائدية، بل روحية وإنسانية، تسعى لتحويل الكنيسة من مؤسسة مغلقة إلى كيان حيّ، يعبّر عن قضايا الناس، ويعيش واقعهم، ويصغي إليهم.
الأبعاد الرمزية لاختيار اسم ليون الرابع عشر
يشير اسم ليون الرابع عشر إلى انتماء واضح إلى المدرسة الفكرية للبابا ليون الثالث عشر، الذي يُعد من أكثر الباباوات تأثيرًا في التاريخ الحديث. في عهده، تم وضع الأسس الأولى للفكر الاجتماعي الكاثوليكي، كما أطلق وثيقة “Rerum Novarum” التي دعت للعدالة الاجتماعية وحقوق العمال.
باختيار اسم مشابه، يبعث البابا الجديد برسالة مفادها أن قضايا العدالة الاجتماعية، والحوار بين الأديان، والتوازن بين التقاليد والتجديد ستكون على رأس أولوياته.
البابا الجديد.. جسر بين الثقافات
ينحدر روبرت فرانسيس بريفوست من مدينة شيكاغو، واحدة من أكثر المدن الأمريكية تنوعًا ثقافيًا. وقد أمضى سنوات طويلة في بيرو حيث كان مبشّرًا في المناطق الريفية، ما أكسبه حسًا اجتماعيًا حادًا وقدرة على فهم الثقافات المحلية.
كما أنه يتقن خمس لغات، ما يجعله من أكثر الشخصيات قدرة على التحاور مع العالم بلغاته المختلفة. وبفضل هذه الخلفية، يُتوقع أن يكون أحد أكثر الباباوات قدرة على بناء الجسور بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب.
تحديات تنتظر البابا ليون الرابع عشر
رغم الاستقبال الحافل، فإن البابا الجديد يدخل الفاتيكان محاطًا بعدة تحديات كبيرة، أبرزها:
- أزمات الثقة التي تواجهها الكنيسة بعد قضايا الاعتداءات الجنسية وسوء الإدارة.
- التحولات الاجتماعية المتسارعة التي تتطلب تجديدًا فكريًا داخليًا.
- الانقسامات السياسية والدينية في العالم، والتي تتطلب موقفًا متوازنًا.
- موقف الكنيسة من قضايا الشباب، والمرأة، والمثليين، وهي قضايا تتطلب حكمة كبيرة وإدارة حساسة.
ما الذي يمكن أن يقدّمه ليون الرابع عشر للعالم؟
يبدو واضحًا من خطابه الأول أن البابا الجديد يقدّم رؤية تقوم على:
- الوحدة بدل الانقسام
- الرحمة بدل الإدانة
- النوعية بدل الكثرة
- الرسالة بدل السلطة
هذه الرؤية، إن نُفّذت على أرض الواقع، قد تجعل من عهده نقطة تحوّل في التاريخ الكنسي، حيث تتحوّل الكنيسة من كيان يفسّر إلى مؤسسة تُصغي وتعمل وتخدم.
صدى الكلمة الأولى عالميًا
لاقت كلمة البابا ليون الرابع عشر ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والدينية العالمية. فقد رحبت الأمم المتحدة برسالته، كما عبّرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عن “تفاؤلها بالانفتاح الجديد”، في حين اعتبرت الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا أن “نداءه للسلام يمثل صوت الضمير الإنساني في زمن متأزم”.
أما على مستوى الشعوب، فقد عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والاقتباسات من الخطاب، وانتشر هاشتاغ #البابا_ليون_الرابع_عشر على منصات عديدة، خصوصًا مع تركيز وسائل الإعلام العالمية على البعد الإنساني والدعوة للسلام.
خاتمة: شمس جديدة تشرق من الفاتيكان
إطلالة البابا ليون الرابع عشر الأولى كانت أكثر من مجرد ظهور رمزي. لقد كانت بيانًا رسوليًا جديدًا للعالم، مفاده أن الكنيسة الكاثوليكية تستعيد دورها كمنارة روحية في عالم يعاني من الضياع، وأنها تعود للتكلم بلغة القلوب لا لغة الأبراج المغلقة.
وبينما لا تزال التحديات قائمة، فإن العالم المسيحي والعالمي بأسره يعلّق آمالًا كبيرة على أن يكون هذا البابا، الجريء في كلمته، والحكيم في اختياره، رسولًا حقيقيًا للسلام، وبانيًا حقيقيًا للجسور، وقائدًا روحيًا لعصر بحاجة ماسّة إلى قيادة نزيهة ومتواضعة.