ماذا يعني إلغاء المادة 182 في الكويت؟ خطوة قانونية تغير الواقع

في تطوّر تشريعي طال انتظاره، أقر مجلس الوزراء الكويتي في أبريل 2025 قرارًا بإلغاء المادة 182 من قانون الجزاء، والتي كانت تتيح للجاني الذي ارتكب جريمة خطف بحق أنثى الإفلات من العقاب في حال تزوجها بموافقة ولي أمرها. هذا القرار الذي يُعد انتصارًا تاريخيًا لحقوق النساء، يأتي ضمن حزمة من الإصلاحات القانونية التي تتبناها دولة الكويت لمواءمة قوانينها مع المبادئ الدستورية والالتزامات الدولية.

قرار الإلغاء لم يكن فقط قانونيًا، بل كان أيضًا أخلاقيًا ودينيًا واجتماعيًا، ويحمل بين طياته رسائل واضحة مفادها أن العدالة لا يمكن أن تُشترى أو تُغطّى بعقد زواج صوري، وأن كرامة الإنسان لا تقبل التفاوض أو التنازل تحت ضغط المجتمع أو القانون.

المادة 182.. ماذا كانت تنص؟ ولماذا أُثير الجدل حولها؟

نصت المادة 182 من قانون الجزاء الكويتي قبل إلغائها على أنه:

“إذا تزوج الخاطف ممن خطفها زواجًا شرعيًا بإذن من وليها وطلب الولي عدم معاقبة الخاطف، لم يُحكم عليه بعقوبة ما.”

هذا النص القانوني، الذي يعود إلى فترات سابقة من التشريع، كان يُعد في نظر الكثير من الناشطين الحقوقيين ثغرة قانونية خطيرة، لأنها كانت تمنح الجاني طريقًا للنجاة من العقوبة، لا سيما إذا مورست ضغوط اجتماعية على الضحية وولي أمرها لإبرام هذا النوع من الزواج.

ما الذي دفع الكويت إلى إلغاء المادة 182 الآن؟

تراكمت الأسباب السياسية، الاجتماعية، والدينية التي دفعت الدولة إلى اتخاذ هذه الخطوة، ومن أبرزها:

  • استغلال الثغرة قانونيًا: تكررت وقائع قام فيها الجناة بخطف فتيات ثم الزواج بهن لفترة وجيزة، غالبًا ما تنتهي بالطلاق بعد أسابيع، ليفلت الجاني من العقوبة بالكامل.
  • الضغط المجتمعي والدولي: تزايدت الدعوات المحلية والدولية لإلغاء هذه المادة، والتي اعتُبرت تمييزية وتتنافى مع المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة.
  • رؤية شرعية حاسمة: أصدرت وزارة الشؤون الإسلامية فتوى شرعية تؤكد مخالفة المادة للشريعة الإسلامية، التي تُجرّم الخطف بكل أشكاله، وترفض إسقاط العقوبة عن الجاني بموجب زواج قسري.
  • التزامات دولية: ترتبط الكويت باتفاقيات دولية مثل اتفاقية سيداو (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) والعهد الدولي للحقوق المدنية، التي تحظر مثل هذه النصوص.

تصريحات ناصر السميط.. العدالة لا تُساوَم

وزير العدل الكويتي، ناصر السميط، أوضح في تصريحات نشرتها صحيفة “القبس” أن المادة الملغاة كانت بمثابة “خرق صريح” للدستور الكويتي والشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى أنها استُغلّت لتمرير زيجات قسرية كانت بمثابة غطاء قانوني للانتهاك، لا سيما في قضايا القُصّر.

وأضاف السميط:

“العدالة لا تقبل أي نوع من التسويات على حساب كرامة الإنسان. الزواج لا يمكن أن يُستخدم كوسيلة للإفلات من جريمة، بل يجب أن يكون مبنيًا على الإرادة الحرة الكاملة.”

كيف استُخدمت المادة 182 سابقًا؟

وفق ما أشار إليه عدد من المحامين والناشطين الحقوقيين في الكويت، فإن المادة 182 استُغلت في عدة حالات خلال السنوات الماضية لفرض زيجات غير عادلة على الضحايا، كانت تنتهي في كثير من الأحيان بطلاق سريع بعد إسقاط التهم، تاركة خلفها فتاة مدمّرة نفسيًا ومجتمعيًا.

كما ظهرت حملات إلكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي، أبرزها حملة “العدالة لا تتزوج”، التي دعت لإلغاء المادة وفضحت استخدامها في تغطية الجرائم.

كيف تستفيد المرأة الكويتية من إلغاء المادة 182؟

هذا الإلغاء يمثل إنجازًا كبيرًا لحماية المرأة ويعزز مكاسبها القانونية، ويتجلى ذلك في:

  • منع الإفلات من العقوبة: لا يُمكن لأي مجرم أن يستخدم الزواج كوسيلة للهروب من المحاسبة.
  • دعم الضحايا: تعزيز حق الفتاة في رفض الزواج الإجباري دون أي ضغوط مجتمعية.
  • تشجيع الضحايا على التبليغ: كثير من الفتيات كنّ يترددن في التبليغ عن المعتدين خوفًا من أن يُفرض عليهن الزواج لاحقًا لحل “المشكلة”.
  • ردع الجناة: تصبح العقوبة صارمة وواضحة ولا مجال للمراوغة فيها، مما يعزز من هيبة القانون.

المقارنة الإقليمية: هل الكويت تأخرت في القرار؟

على الرغم من أن القرار يُعد إنجازًا تشريعيًا هامًا، إلا أن الكويت ليست الدولة الأولى عربيًا التي تُلغي مادة مشابهة:

  • تونس: ألغت النص الذي يُسقط التهم عن المغتصب إذا تزوج الضحية عام 2017.
  • لبنان: ألغى المادة 522 التي كانت تُتيح الإفلات من العقوبة في حال الزواج بالضحية.
  • المغرب: ألغى المادة 475 بعد حادثة “أمينة الفيلالي” التي انتحرت بعد إجبارها على الزواج من مغتصبها.

لكن مع ذلك، فإن الكويت الآن على المسار الصحيح، وتسير بخطى قانونية وشرعية تعزز من حضورها الدولي كدولة تحترم الإنسان.

ما التالي؟ التوصيات المنتظرة من المجتمع المدني

بعد إلغاء المادة، أطلقت جمعيات حقوقية توصيات عدة للحكومة الكويتية، أهمها:

  • مراجعة جميع النصوص القانونية التي قد تُميز ضد النساء أو تسمح بالتساهل في جرائم الشرف أو العنف الأسري.
  • تعزيز برامج التوعية في المدارس والإعلام حول مفاهيم الكرامة والعدالة وحقوق الإنسان.
  • دعم الضحايا نفسيًا وقانونيًا من خلال مراكز متخصصة.
  • تفعيل قوانين الحماية من العنف الأسري والتحرش الجنسي.

الرأي العام.. فرحة ووعي متصاعد

عبّر العديد من النشطاء والإعلاميين الكويتيين عن ارتياحهم وسعادتهم بهذا القرار، الذي اعتبروه نقلة نوعية في مسار التشريع الكويتي. وتصدّر هاشتاق “#إلغاء_المادة_182” قائمة الأكثر تداولًا على تويتر في الكويت، حيث نشر المغردون كلمات مثل:

  • “اليوم… كرامة الضحايا تُنتصر في الكويت.”
  • “القانون يجب أن يكون سندًا للضعفاء، وليس غطاءً للمجرمين.”

الختام: الكويت تخطو بثقة نحو تشريعات أكثر عدالة

إلغاء المادة 182 من قانون الجزاء الكويتي ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو رسالة مجتمعية مفادها أن زمن التواطؤ مع الظلم قد انتهى، وأن العدالة لا تقبل الاستثناءات. هو دليل على نضج قانوني، وتطور اجتماعي، ورغبة صادقة في أن تكون القوانين مرآة للكرامة والحق، لا وسيلة لطمس الجريمة خلف غطاء الزواج.

رقية أحمد

كاتبة شابة واعدة، تتميز بنظرتها الثاقبة وحسها الفني المرهف. تمتلك قدرة فائقة على صياغة الكلمات وتحويلها إلى لوحات فنية تعكس الواقع وتلامس وجدان القارئ. تتناول رقية في كتاباتها قضايا متنوعة، من الحياة اليومية والتجارب الشخصية إلى القضايا الاجتماعية والثقافية الملحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي متابع عرب ميرور

نحن نقدر أن الإعلانات قد تكون مزعجه لك في بعض الاحيان، لكن الإعلانات هي مصدر دخلنا الوحيد، مّا يُمكّننا من الاستمرار في تقديم محتوى إخباري موثوق ومجاني لكافة متابعينا، نطلب منك إغلاق حاظر الإعلانات (Ad Blocker) أثناء تصفحك لموقع عرب ميرور.

قم بإعاده تحميل الصفحه بعد اغلاق ad blocker !