من هو شوقي قداس ويكيبيديا السيرة الذاتية؟ سيرة المدافع الشرس عن الحقوق الرقمية

حين يرحل رجال المبادئ، لا يختفي أثرهم بل يزداد وضوحًا. هذا ما شعر به كل من عرف شوقي قداس صباح الجمعة 4/ 7/ 2025، حين أُعلن نبأ وفاته بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 63 عامًا. لم يكن مجرد أستاذ جامعي أو موظفًا رسميًا، بل كان مدرسة قائمة بذاتها في الدفاع عن الحقوق والحريات الرقمية في تونس.
في ذلك اليوم، خيم الصمت على أروقة الجامعة التي أحبها، والهيئات الحقوقية التي شكل صوتها الأعلى، ووسائل الإعلام التي كانت تستضيفه ليقول كلمة الحق دون تردد. عاش قداس حياته مؤمنًا أن الإنسان الحر لا يمكنه التنازل عن حقه في خصوصيته مهما كان الثمن.
لم يختفِ اسمه خلف مكاتب الإدارة أو الدرجات الأكاديمية، بل بقي حاضرًا في قلب المعارك القانونية والحقوقية والسياسية. من مدرجات كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس إلى رئاسة الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، كانت مسيرته رحلة نضال هادئة وثابتة.
في هذا التقرير المطول عبر موقع عرب ميرور، نروي لكم حكاية سبب وفاة شوقي قداس، سيرته ومسيرته، وتأثيره العميق على ثقافة الحقوق الرقمية في تونس والعالم العربي، ونطرح تساؤلًا صعبًا: من سيملأ الفراغ الذي تركه؟
نأخذكم بين محطات حياته التي اختلط فيها القانون بالإنسانية، والسياسة بالأخلاق، لنكتشف كيف يصنع الفكر الحر رجلًا يظل حيًا في ضمائر الناس مهما غاب الجسد.
سبب وفاة شوقي قداس
أعلنت عائلته في بيان رسمي أن سبب وفاة شوقي قداس يعود إلى مرض عضال ألم به منذ أشهر، ظل يتلقى العلاج منه بصمت وكرامة، حتى وافته المنية صباح الجمعة بمنزله في رياض الأندلس بالعاصمة تونس.
ومن المقرر أن يُشيع جثمانه إلى مقبرة مدينة سليمان يوم السبت 5 يوليو 2025، بعد صلاة العصر، في جنازة من المتوقع أن يشارك فيها المئات من أساتذته وطلابه وزملائه ورفاقه الحقوقيين.
من هو شوقي قداس ويكيبيديا السيرة الذاتية
ولد شوقي قداس سنة 1962، وتربى بين بنزرت وأريانة، قبل أن يلتحق بالمدرسة الصادقية، رمز النخبة التونسية العريقة. حصل على البكالوريا في الآداب عام 1980، ثم توجه إلى دراسة القانون العام بكلية الحقوق بتونس، ليتخرج منها بدرجة الإجازة، تلاها دبلومات متقدمة في القانون الدستوري.
منذ 1988، التحق بسلك التدريس الجامعي أستاذًا للقانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية، واشتهر بأسلوبه الواضح وتحليلاته العميقة، وبكونه مدرسة فكرية تخرج منها آلاف الطلاب الذين صاروا قضاة ومحامين ومسؤولين في الدولة.
بين الجامعة والدستور: مسيرة رجل قانون وإنسان
لم يتوقف دور قداس عند التعليم الأكاديمي. بعد الثورة التونسية 2011، شارك بفاعلية في صياغة دستور 2014 ضمن الجمعية التونسية للقانون الدستوري، واضطلع بدور رئيسي في إدراج مفاهيم حماية المعطيات الشخصية والحقوق الرقمية ضمن المبادئ الدستورية.
كما كان عضوًا في هيئة التحقيق بوقائع الثورة، ومنسقًا لبعثات مراقبة الانتخابات، ومشاركًا في صياغة قوانين اللامركزية والانتخابات البلدية، واضعًا خبراته القانونية في خدمة دولة القانون والمؤسسات.
رئاسته للهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية
تولى شوقي قداس رئاسة الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (INPDP) بين 2015 و2023، ليكون قائدًا لمعركة غير مرئية ضد تغوّل الرقابة الإلكترونية، وداعمًا صلبًا لحقوق الأفراد الرقمية في مواجهة مؤسسات الدولة والشركات العملاقة.
قاد خلال تلك الفترة حملات توعية واسعة، ورفض تمرير تشريعات مخالفة للمعايير الدستورية، وكان يقول دائمًا: “الحق في الحياة الخاصة هو أصل الحرية، فلا حرية دون خصوصية مصانة”.
رئاسته للجمعية الفرانكفونية لحماة المعطيات الشخصية
لم يقتصر حضوره على الساحة الوطنية، بل انتخب رئيسًا للجمعية الفرانكفونية لحماة المعطيات الشخصية (AFAPDP) بين 2019 و2023، ليكون صوتًا عربيًا في محافل دولية، مدافعًا عن حق الشعوب في حماية بياناتها من القرصنة والتوظيف السياسي والتجاري دون رقابة أو محاسبة.
صوت لا يهادن في زمن الصمت
عرف شوقي قداس بمقالاته النقدية ومداخلاته الجريئة. لم يكن يخشى انتقاد أي سلطة إذا مست كرامة الإنسان أو اعتدت على خصوصيته. قال مرة في لقاء إذاعي: “نحن لا نمنح الدولة الحق في مراقبتنا مقابل الأمن، هذا وهم. الدولة تحمينا باحترامها لحقوقنا لا بسلبها.”
هذه المواقف جعلته عرضة لهجمات سياسية وإعلامية، لكنه ظل صامدًا، مؤمنًا أن القانون بلا قيم لا يصنع عدالة، وأن العدالة بلا حرية لا تصنع إنسانًا.
ردود الفعل على وفاته
ما إن أعلن نبأ وفاته، حتى امتلأت صفحات وسائل التواصل برسائل النعي المؤثرة. كتب أحد زملائه: “برحيلك أستاذي، فقدنا صوتًا جريئًا في زمن خفتت فيه الأصوات”. بينما نعته الأورومتوسطية للحقوق بقولها: “فقدنا شريكًا وصديقًا ومدافعًا لا يكل عن الكرامة والحرية.”
وقال طالب من طلابه: “لم أكن أعرف معنى الحق في الخصوصية حتى درست عنده. اليوم أدركت أننا فقدنا أحد أنبل رجال هذا الوطن”.
الفقرة الختامية: إرث يضيء الطريق
يرحل الإنسان بجسده، لكن تبقى قيمه ومبادئه ضوءًا يهدينا. هذا ما تركه شوقي قداس لتونس ولكل باحث عن الحرية. ترك لنا فكرة واضحة: لا كرامة دون خصوصية، ولا دولة دون احترام الإنسان.
قد لا يملأ أحد فراغه، لكن يمكن لكل قانوني وحقوقي وإعلامي أن يحمل شعلة فكره، لنبقى شعبًا يرفض أن يكون عاريًا أمام سلطة لا تُحاسب. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.