من هو عبد الغني الككلي ويكيبيديا السيرة الذاتية؟ تفاصيل حياة غنيوة المثيرة للجدل بعد مقتله في طرابلس
لم يكن مقتل عبد الغني الككلي حدثًا عاديًا في سجل الاشتباكات اليومية التي تعرفها طرابلس، بل كان زلزالًا هزّ توازنات القوى وأعاد إلى الواجهة سؤالًا قديمًا جديدًا: من يحكم العاصمة؟ غنيوة، أو كما يعرفه الليبيون باسمه الشعبي، لم يكن مجرد قائد فصيل مسلح، بل كان “رجل الظل” الذي بنى إمبراطوريته من قلب الأحياء الشعبية إلى داخل مؤسسات الدولة الرسمية.
هو الرجل الذي جمع بين القوة المسلحة والغطاء السياسي، ونجح خلال عقد كامل في تحويل نفسه من نزيل زنزانة إلى “صاحب قرار” في مؤسسات الأمن والاقتصاد والسياسة. وبينما انطفأت حياة غنيوة في ليلة عنف صاخبة، لا تزال قصته تُروى بكل تعقيداتها، وتفاصيلها التي تتقاطع فيها الدولة مع اللادولة، والأمن مع الانفلات، والسلطة مع السوق السوداء.
عبد الغني الككلي ويكيبيديا السيرة الذاتية: البداية من الحضيض
ولد عبد الغني بلقاسم الككلي في مدينة بنغازي، لكنه نشأ وترعرع في حي أبو سليم في طرابلس، أحد أكثر الأحياء اكتظاظًا وفقراً. في شبابه، انخرط في عالم الإجرام، وبرز اسمه في تجارة المخدرات والاتجار بالأسلحة، ليدخل السجن بتهمة القتل ويقضي فيه 14 عامًا كاملة.
رغم كل شيء، لم تُطفئ السجون شعلة الطموح داخل الككلي. كانت الزنازين بدايته نحو السلاح والنفوذ، إذ كوّن خلال سجنه علاقات وثيقة بأسماء ستتحول لاحقًا إلى لاعبين أساسيين في مشهد ما بعد الثورة.
من السجن إلى السلطة.. فرصة فبراير 2011
مع اندلاع ثورة 17 فبراير وسقوط نظام القذافي، فتحت أبواب السجون، وخرج عبد الغني الككلي إلى عالم جديد، فارغ من السلطة، مكتظ بالسلاح، مشحون بالفوضى.
كانت تلك اللحظة الفاصلة التي استغلها لتأسيس ميليشيا الأمن المركزي، مستفيدًا من تحالفات محلية وقبلية، وسيطرة ميدانية على منطقة أبو سليم.
مع الوقت، توسعت ميليشيا الككلي، واستولت على مقرات أمنية، ومخازن أسلحة، ونقاط تفتيش، ما جعله أحد أمراء الحرب غير المعلنين في العاصمة.
غنيوة في “فجر ليبيا”.. تبديل التحالفات والنجاة من الكسر
شارك الككلي بقوة في معارك “فجر ليبيا” عام 2014، وهي واحدة من أسوأ الحروب الأهلية في تاريخ العاصمة. لكن ما يميزه كان دهاؤه في تغيير الولاءات بسرعة: اليوم مع طرف، وغدًا ضده، حسب المصلحة.
هذا التكتيك مكّنه من النجاة دائمًا، ومنع تحالفات الأعداء من الإطاحة به. على مدار 10 سنوات، تحالف غنيوة مع شخصيات مثل هيثم التاجوري وعبد الرؤوف كارة، ثم ابتعد، ثم عاد، وفقًا للرياح السياسية والعسكرية.
جهاز دعم الاستقرار.. شرعنة الميليشيا تحت قبة الدولة
في عام 2021، تم إصدار قرار من المجلس الرئاسي بإنشاء جهاز دعم الاستقرار، ومنح غنيوة منصب القائد الأعلى له.
تحول الجهاز إلى كيان شبه رسمي، يعمل بغطاء قانوني، لكنه حافظ على هيكله الأصلي كميليشيا.
رغم “الشرعنة”، لم يتخلّ غنيوة عن أساليبه السابقة، فاستمرت التقارير الحقوقية التي تتهم الجهاز بـ:
- التعذيب.
- الاحتجاز غير القانوني.
- الابتزاز مقابل الإفراج.
- الاختفاء القسري.
- السيطرة بالقوة على مقار ومؤسسات حكومية.
غنيوة والدبيبة.. تحالف السلطة والسلاح
شكلت العلاقة بين عبد الغني الككلي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة مفصلاً حاسمًا في تعاظم نفوذ غنيوة.
اتفاق غير مكتوب، لكنه فعّال:
- غنيوة يمنح دعمًا أمنيًا على الأرض لحكومة الدبيبة.
- الدبيبة يُبقي حلفاء غنيوة في مواقع مهمة.
أبرز ما سيطر عليه غنيوة نتيجة هذا التحالف:
- هيئة أمن المرافق.
- تنسيق الأمن في أبو سليم والهضبة.
- إشراف غير مباشر على حركة الأموال بين البنوك.
- نفوذ في شركة الكهرباء عبر تعيين محمد عمر المشاي.
غنيوة رجل أعمال.. من السلاح إلى الاقتصاد
لم يكتفِ غنيوة بالسلطة الأمنية، بل توسع في الأعمال:
- استثمارات في القطاع النفطي.
- صفقات في البناء والمقاولات.
- تحكم غير مباشر في توريد الوقود.
- تحكم في سوق تحويل العملة في طرابلس.
- ووفقًا لتقارير “أفريكا إنتليجنس”، بات غنيوة في عامه الأخير أحد أبرز رجال الأعمال غير المعلنين في العاصمة الليبية.
مقتل غنيوة.. الزلزال الأمني الكبير
ليلة الاثنين، 12 مايو/ أيار 2025، كانت مفصلية في تاريخ طرابلس. سقط غنيوة قتيلًا في اشتباكات دموية جنوب المدينة، داخل معقله الرئيسي في أبو سليم، بعد اجتماع متوتر مع قيادات من اللواء 444 وقوة العمليات المشتركة.
ماذا حدث؟
- كان اللقاء يهدف إلى “تسوية خلاف”.
- فشل الحوار.
- اندلع الاشتباك المسلح داخل مقر اللواء.
- قُتل غنيوة وعدد من مرافقيه.
هذا الحدث لم يمر مرور الكرام، بل فجّر موجة اشتباكات عنيفة في مناطق واسعة، أبرزها:
- مشروع الهضبة.
- شارع الزاوية.
- الدريبي.
- أبوسليم.
مستقبل طرابلس بعد غنيوة.. معادلة على كف سلاح
رحيل عبد الغني الككلي يترك فراغًا رهيبًا في شبكة النفوذ التي حفظت توازنات هشة بين مختلف التشكيلات.
ماذا قد يحدث بعده؟
- دخول قادة ميدانيين لمحاولة وراثة نفوذه.
- صراع على الأموال والمقرات والنقاط الأمنية.
- إعادة توزيع مناطق السيطرة.
- ولعل أخطر ما في المشهد، أن الدولة لا تملك أدوات فعلية لضبط الساحة، ما يعني أن العنف قد يستمر ويتوسع.
الفقرة الختامية: غنيوة مات.. فهل انتهى عهد رجل الميليشيا؟
قد يكون عبد الغني الككلي قد مات جسديًا، لكن رمزيته لا تزال حيّة في وجدان المشهد الليبي، بما له وما عليه. هو انعكاس لحالة دولة تفككت، فخرج من بين شقوقها رجال مثل غنيوة، صنعوا “دولتهم” في فراغ السلطة.
اليوم، تطرح ليبيا سؤالًا جديدًا: هل ستكون وفاة غنيوة بداية إصلاح أمني شامل؟ أم أنها مجرد تغييب لأحد الرموز، في انتظار صعود غنيوة جديد؟
الإجابة قد تأتي قريبًا.. وربما لا تأتي أبدًا، ما دام السلاح أقوى من الدستور، والميليشيا أقوى من الدولة.